طالب عبد العزيز
لا يُنفقُ أو يسرقُ درهمٌ من خزينة العراق إلا وللبصرة منه حصة الاسد، ولا يتسلم مسؤول في الدولة العراقية، بطولها وعرضها راتباً إلا من مال البصرة، ولن تقوم قائمة، او تقعد قاعدة إلا على خزائن أرض البصرة، فهي أم العراق، ومادته في البقاء، وإليه ترجع كل مدينة، ويتصبب من دمه كلُّ عرق، ويؤخذ كلُّ خراج، ولولاها لمات العراق جوعاً، ولفرَّ من أهله خلق كثير.
أما وقد انقضت سنون عشرون من حكم تيارات الاسلام، بفسادها وخرابها وقتلها وتهجيرها والبصرة تجالد أعوامها، وتحاول أن تكون، أو تلحق بركب المدنن مثيلاتها في الخليج وغيره، لكنّ أحداً من السادة الكبار في بغداد والنجف وكربلاء وأربيل لم ينصفها، بل ويسخرون منها وليس أقله ما ينشده السيد المالكي كلما التقى محافظها يومذاك محمد مصبح الوائلي، رحمه الله:” بصرا، بصرا” هكذا، في سخرية من لفظ أهلها لاسم مدينتهم.
قبل أن يوقّع محافظها أسعد العيداني عقد انشاء محطة تحلية الفاو مع الشركة الصينية (شنغهاي)جاءه أمر الكاظمي بإيقافه، وأن يصار العقد لصالح شركة بريطانية متهمة بالتلكؤ، ومشهود لأعضاء ارتباطها بالفساد، وبذلك شلَّ الكاظمي يد العيداني، وحرم البصريون من لحظة فارقة ستغير حياتهم، بما تؤمنه لهم من الماء الصالح للاستخدام البشري والكهرباء والايدي العاملة. وقبل ذلك باع السادة، حكام بغداد الاسلاميون حصة البصرة بقناة خور عبد الله، ووهبوا الحدود المائية لجارتهم الاسلامية، ونهبوا وما زالوا ينهبون مواردها من منافذها الحدودية.
ولم تكن عقود جولات التراخيص مع الشركات النفطية الاستعمارية بأقل ظلماً على أهل البصرة من ذلك كله، ففضلاً عن سرقاتها الكبرى وتدميرها للبني الصناعية، وتخريبها للاقتصاد جعلت من نسبة الاصابة بالسرطان الاعلى بين سكانها، ولوثت بيئتها، بما أخرجها من كونها مدينة زراعية، ومصدراً من مصادر سلة العراق الغذائية، وباباً لمشاريع صناعية وتجارية وثقافية لا حصر لها. السرقات في عقود جولات التراخيص ليست أقل من سرقة المليارين ونصف دولار من هيئة الضرائب، هي اعلى من الارقام هذه بالكثير.
كان لسان الملح قد اندلع لأول مرة في شط العرب عام 2009 وعقدت لأجله المؤتمرات، وتنافست الشركات، وتحدث العشرات، وضجَّ اهلها بالصياح في التظاهرات، وسعى مسؤولوها بين بغداد وطهران واربيل واسطنبول من أجل ايجاد حل باقامة سد على شط العرب، سدٍّ ولو من التراب، لكنَّ شيئاً من ذلك لم يتحقق، فصرفت الاموال، وجاء وذهب الرجال وحكومة بغداد تضع العراقيل تلو الاخرى، فلم تقم السد ولم تشجع عليه، وظلت ترفض انشاء محطات التحلية الى اليوم، باصرارها على أن لفا يخرج الشأن إلا من بين يديها، طمعاً بما يتم عقده في صفقة المال، ليأخذ كل حزب حصته، وليغنم كل مسؤول غنيمته، ولسان حالهم يقول يطب البصرة وأهلها ألف مرض.
الجميع يعلم بأنَّ أموال الاحزاب وأرصدة اللصوص في بنوك العالم والجزر المشتراة في الخليج وامريكا واوربا وكل ما عند هؤلاء هو من مال البصرة، وللبصرة حق المطالبة به، واسترداده، قبل أيِّ واحد منكم. فيا حكام بغداد، ويا ساسة الخراب والقتل والفساد، ويا قتلة البصريين، اتقوا البصرة في غضبتها، فالامرُ لا يتطلب أكثر من يافطة، ينضمُّ تحتها عزيفها الآلاف، ساعتها لن يصلكم من مالها إلا الرصاص.