متابعة المدى
فاز الكاتب السريلانكي شيهان كاروناتيلاكا، مساء الاثنين، بجائزة «بوكر» الأدبية البريطانية العريقة لعام 2022 عن روايته «أقمار مالي ألميدا السبعة» التي تعتمد أسلوب الهجاء الفكاهي الساخر وتدور أحداثها خلال الحرب الأهلية التي شهدتها بلاده.
وأشادت لجنة التحكيم بـ«السعة والكفاءة والجرأة والجسارة والفكاهة» التي برهن عنها المؤلّف في روايته «ذي سفن مونز أوف مالي ألميدا».
وهذه ثاني رواية لكاروناتيلاكا (47 عاماً) تنال تقديراً عالمياً بعد «الرجل الصيني»، الرواية التي أصدرها في 2011 ونالت خصوصاً جائزة الكومنولث، وفق ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.
وهو ثاني سريلانكي يفوز بهذه الجائزة التي تمنح لأفضل رواية صادرة باللغة الإنجليزية، بعد مايكل أونداتجيز الذي حصل على بوكر في 1992 لروايته «المريض الإنجليزي».
وتدور أحداث الرواية الخيالية في قالب من الفكاهة السوداء في العاصمة السريلانكية كولومبو في تسعينيات القرن الماضي. وبطل الرواية هو مصوّر حربي ومقامر يصحو في عالم البرزخ حيث يحاول معرفة من قتله.
وتسلّم كاروناتيلاكا الجائزة من الملكة كاميلا زوجة الملك تشارلز، وذلك خلال حفل أقيم في لندن. وهذا أول حفل لتوزيع الجوائز شخصياً يُقام منذ 2019 بسبب جائحة «كوفيد-19».
وُلد شيهان كاروناتيلاكا في جالي، سريلانكا، عام 1975، ونشأ في كولومبو، ودرس في نيوزيلندا، وعاش وعمل في لندن وأمستردام وسنغافورة.
يعيش حاليًا في سريلانكا، ونُشرت أغانيه ونصوصه وقصص، في رولينج ستون، وجي كيو وناشيونال جيوغرافيك.
ثم عمل كمؤلف إعلانات وعزف على الجيتار في فرقة “إندبندنت سكوير”، وتم ترشيح روايته الثانية “الأقمار السبعة لمعالي ألميدا”، إلى القائمة القصيرة لجائزة بوكر 2022، والتي فاز عنها بجائزة بوكر.
كذلك فازت رواية شيهان الأولى الأكثر مبيعًا “تشينامان: أسطورة براديب ماثيو” بجائزة الكومنولث للكتاب وجائزة جراتيان وجائزة لأدب جنوب آسيا.
نشر روايتين وثلاثة كتب أطفال. وقد كتب عن الرياضة والموسيقى والسفر لصحيفة الجارديان ورولينج ستون ووايسدن وجي كيو وكوندي ناست وناشيونال جيوغرافيك.
يعرف نفسه على حسابه الرسمي: “يعيش في كولومبو وكورونيجالا مع زوجة وطفلين وخمسة قيثارات واثنان وثلاثون قصة غير مكتملة”.
وفي العام الماضي، مُنحت الجائزة للكاتب الجنوب أفريقي دامون غالغوت عن روايته «الوعد» التي تدور أحداثها حول ما تعيشه أسرة مزارعة بيضاء في جنوب أفريقيا بعد الفصل العنصري.
وبالإضافة إلى قيمتها المعنوية الضخمة وترسيخها مكانة صاحبها في الساحة الأدبية العالمية، يحصل الفائز بـ«بوكر» على مكافأة مالية قدرها 50 ألف جنيه إسترليني (حوالي 60 ألف دولار).
ونال الجائزة في السنوات الماضية بعض من أشهر الكتّاب باللغة الإنجليزية، من بينهم سلمان رشدي وماغاريت أتوود وهيلاري مانتل التي توفيت الشهر الماضي عن 70 عاماً.
«أقمار مالي ألميدا السبعة” االصادرة في عام 2022، يعود فيها شيهان كاروناتيلاكا إلى سريلانكا ثمانينيات القرن العشرين، وبطلها “مالي ألميدا” هو ابن لأب من السنهاليين وأم من شعب البُرغر المنحدرين من المستعمرين الأوروبيين. وهو مصوّر متجوّل يحب كاميرته الموثوقة من نوع نيكون، مقامر في لعبة البوكر، مثليّ وملحد.
تبدأ الرواية باستيقاظ مالي ميتاً، عالقاً في مكان ذي بيروقراطية كفكاوية، في ما يبدو كأنه مكتب تأشيرات سماوي. يعتقد مالي في البداية أنه يهلوس بسبب حبوب أعطاها له صديقه. لكن لا: هو ميت فعلاً، ويبدو أنه محبوس في عالم سفلي؛ إنما ليس جحيماً أو قيامة بالشكل الميلتونيّ، بل، بالنسبة إليه “ما بعد الحياة هو مكتب ضرائب والجميع يريد حسماً”. لقد غرق جسد مالي في بحيرة، وليس لديه فكرة عمن قتله. وفي بلد مثل بلده، تصفّى فيه الحسابات عن طريق الانتحاريين والقتلة المأجورين، تبدو قائمة المشتبهين بهم طويلة، والوقت، حتى في ما بعد الحياة، يداهمه.
يزدحم هذا العالم البرزخيّ بضحايا عنف آخرين؛ العنف الذي أصاب سريلانكا في ثمانينيات القرن الماضي. “بعضهم يرتدي سترات مشافي؛ بعضهم لديهم بقع دماء جافة على ملابسهم؛ بعضهم ذوو أطراف مفقودة”. وهم عاجزون عن تشكيل طابور منظم لتعبئة استماراتهم. “انظر حولك. خلفك طابور يتمايل حول الأعمدة وأفاعٍ على الجدران. الهواء ضبابي، رغم أن لا أحد، فيما يظهر، يزفر دخاناً أو ثاني أوكسيد الكربون. يبدو المكان مثل موقف للسيارات من دون سيارات، أو مثل سوق من دون شيء للبيع».
لقد شهدت جزيرة سريلانكا حرباً أهلية مريرة منذ عام 1983 وحتى عام 2009. ووفق التخمينات، بلغ عدد الموتى حوالى مئة ألف، ما جعل منها مكاناً مكتظاً بالأرواح المضطربة. ولهذا يشكّل العالم السفلي في رواية “”أقمار مالي ألميدا السبعة” عالماً موازياً. بطل الرواية الذي تحمل اسمه، والذي يظهر لنا كشبح، هو مصور حرب في التاسعة والثلاثين من عمره، وهو متخصص بالتقاط مشاهد العنف والرعب في بلده. “مشاهد من منطقة الحرب. منازل محترقة، أطفال ميتون. المعتاد، كما تعلمون”. وعلى عكس غيره من المصورين الذين لم يصمدوا لأكثر من مجزرتين، مالي كان مصوراً جيداً. “هاوٍ ومأجور. لكنك تعرف كيف تأخذ لقطة».
مالي هو شاهد على وحشية التمردات في سريلانكا. وطموحه هو التقاط صور “تطيح بالحكومات. صور بوسعها إيقاف الحروب”. لقد التقط صوراً لصحافيين وناشطين مختفين، مقيدين ومكممين وميتين في السجون. وهذه الصور مخبأة في صندوق يحتوي سبعة مغلفات وموجود تحت سرير في منزل عائلته. هذه الصور، كما يقول أحدهم عنها، “بوسعها أن تطيح بالحكومة”، و”إذا ظهرت، سوف تشتعل البلاد من جديد”. فمحتواها يمكن أن يساعد في كشف المشاركين في مجازر عام 1983، وربما تقديمهم للعدالة.
الرواية مكتوبة بصيغة المخاطب، وهي تستخدم الضمير “أنتَ” لمخاطبة بطلها. يتسبب هذا بإعطاء السرد أثراً مُبعِداً قليلاً ويعدّ مخاطرة في رواية من حوالى 400 صفحة. لكنّ استخدام النبرة الفكاهية الساخرة يعوّض ذلك الإبعاد. من ناحية أخرى، هذا الاستخدام لصيغة المخاطب يضع القارئ تماماً في مكان مالي ألميدا أثناء هذه الأوديسة الممتدة على طول سبعة أقمار. يقول الراوي في أحد المقاطع: “لديك رد واحد على أولئك الذين يعتقدون أن كولومبو مزدحمة: انتظروا حتى تروها مع وجود الأشباح”. أحد سمات الرواية البارزة أيضاً هي استخدام التشابيه الحيوية القوية. مثلاً، يوصف جسد تعرض للضرب بأن له أضلاعاً مجوّفة “مثل جوزة هند مكسورة”. بالإضافة إلى ذلك، تمت معالجة الإحساس بالوقت الذي يشارف على نهايته والتشويق الذي يرافق ذلك بشكل جيد سواء في حالة مالي أو في حالة الأحياء الذين يدركون أهمية الصور التي تركها خلفه.
إن شيهان كاروناتيلاكا يتناول التقسيم بين عالم الأرواح والعالم الحقيقي على نحو ممتع مسلٍّ، مقدّماً شخصية مالي ألميدا كنوع من الوسيط الذي يعيش في عالم ضبابي، ويمكنه أن يربط بين العالمين، وإن يكن مع دفع ثمن ذلك. فعلى الرغم من أن أفظع الأشياء التي شهدها مالي واختبرها هي بمعظمها في الماضي، إلا أن الحاضر يبدو مُهدِّداً باستمرار، لمالي في عالم ما بين العالمين ولمن تركهم خلفه في العالم الحقيقي.