عبد المنعم الأعسم
المنسوبات الاعلامية المبكرة لممثلة الامين العام للامم المتحدة في العراق السيدة جينين بلاسخارت حيال خطوات تشكيل حكومة جديدة غير مريحة لأوساط كثيرة من الرأي العام والمراقبين، إذ فُهم من تلك المنسوبات،
وآخرها، خلال لقائها بالمرشح محمد شياع السوداني مطلع الاسبوع الجاري استعجالا في التفاؤل حيال حكومة مرجعيتها الطبقة السياسية المتنفذة، صاحبة الارث الثقيل في الفساد والمخالفات والمحاصصة، في وقت لم يجفّ بعد حبر احاطتها امام الجمعية العامة للامم المتحدة يوم 4 تشرين الأول/اكتوبر الماضي باعلانها نصّاً "عدم قدرة الطبقة السياسية في العراق على اتخاذ اجراءات فعالة" وتشديدها على ان "الأطراف الفاعلة على امتداد الطيف السياسي أخفقت في وضع المصلحة الوطنية في المقام الأول" وقالت عنهم، وبالحرف الواحد، انهم "تركوا البلد في مأزق طويل الأمد، مما زاد من تصاعد الغضب المتأجِّج أصلاً".
من الطبيعي ان لا يملك كاتب هذه السطور، ولا أحد غيره، حق منع السيدة بلاسخارت من ان تتفاءل لجهة الخطوات الدستورية الجزئية التي تحققت، وان تتمنى تحقيق انفراج في اوضاع العراق المعقدة، وان تزاول وظيفتها المعلنة في التكليف الاممي بمساعدة الدولة العراقية على اجتياز ازمتها، لكن المشكلة تتمثل في ان مَن اسمتهم بالاطراف الفاعلة الذين يتحملون اوزار تدمير هذه الدولة، موضع مسؤوليتها، استقبلوها بنشيدٍ من التمنيات النيئة التي صُممت لاحتواء شكوى الملايين العراقية الغاضبة، فانضمت السيدة الاممية (كما يبدو) لهم، وأسرعت في تقديم حسن النية الاستباقية نحو لا شيء، خلافا للسياقات والبروتوكولات الدبلوماسية المعروفة بوجوب التأني في توصيف الاجراءات قبل ترجمتها الى الواقع، خصوصا حينما تكون هذه الاجراءات من النوع المحكوم عليه سلفاً بالفشل في تلبية فروض الاصلاح والتغيير طالما اتُخذت وفق القواعد الفاشلة التي كانت بلاسخارت نفسها قد وصفتها في احاطتها الاخيرة بالقول نصا "انها مأساوية".
يجدر التذكير هنا، مرة ومرات، بان المشكلة تكمن، كما اثبتت سلسلة احداث ما بعد ثورة تشرين 2019 في اصرار الطبقة السياسية على تسويق نظام المحاصصة الكارثي، مُلطّفاً، أو محسّناً في الشكل، أو مسبوقاً بوعود مغشوشة، ليعيد "وصفة" تمثيل المكونات، وتوزيع المواقع والوظائف الحساسة بين احزابها وزعاماتها السياسية، وإشراك الجميع في الحكومة بهدف تغييب المسؤولية عما يحدث من مخالفات وفساد، وفشل وتحويل مفاتيح ادارة الازمة ومعالجة التحديات الى صفقات بين النافذين، وبموازاة ذلك قمع الشعب الرافض لهذه المهانات، وكل هذا يُعدّ له (الآن) وسط تمنيات المتمنين، حيث شاركتهم بلاسخارت ذلك، للاسف.
اقول، ان التمنيات ليست شأن الدبلوماسية المهنية والاحترافية التي تَستخدم، عادة، وسائل علمية وميدانية ومعطيات حيّة، وشهوداً نزهاء، ومشاهد لا تخطئ العين دقتها، واحسب ان السيدة بلاسخارت تعرف هذه الاعتبارات افضل من الجميع، فقد اعلنت امام مائتين ونيف من ممثلي دول العالم القول: "ان المرء لم يكن بحاجة لكرة بلورية ليتنبأ بما يمكن أن يفضي إليه هذا الوضع".
استدراك:
"يا من منحتَ الأماني البيض معذرةً / اني بهذي الأماني البيض أختنقُ".
شاعر مصر إبراهيم ناجي