TOP

جريدة المدى > عام > الحلم الأميركي.. السينما والايديولوجيا في الولايات المتحدة

الحلم الأميركي.. السينما والايديولوجيا في الولايات المتحدة

نشر في: 30 أكتوبر, 2022: 10:52 م

علاء المفرجي

لماذا يكون رؤساء صناعة السينما دائمًا قريبين من السلطة عندما يتم تعيينهم؟ لماذا نلتقي بعدد قليل من العمال والمهمشين في الأفلام؟ لماذا تنتهي سيدتي الجميلة أو المرأة الجميلة بشكل جيد؟

هذه كلها أسئلة تمت الإجابة عليها في كتاب (هوليوود والحلم الأميركي)، الذي يكشف عن الشبكة المحكمة التي أقيمت بين هوليوود، والقطب الإبداعي، ونيويورك، معقل التمويل العالي، وواشنطن، عاصمة القوة السياسية. منذ بداية القرن العشرين، تم تصور السينما الأمريكية كمدرسة للدروس الأخلاقية والوطنية، مستثمرة في مهمة الأمركة للجمع بين سكان غير متجانسين حول قيم ومثل مشتركة.

تظل سينما هوليوود الحديثة هي الناقل المثالي للحلم الأمريكي: تحت ستار الترفيه، تجعل الصورة بُعدها الأيديولوجي شفافًا وتساعد على تحويل هذه المقترحات إلى رؤية للعالم، غالبًا ما تكون أكثر إقناعًا من الواقع. لكنها أيضًا انعكاس للتغييرات في المجتمع: أدت التعددية إلى التخلي شبه الكامل عن الصور النمطية المتعلقة بالأمريكيين الأفارقة، وبعد عقود من معاداة الشيوعية، فرضت أحداث عام 2001 الإرهابي كوجه جديد للعدو.

يرنامج وسائط الاعلام هو القرار الحكومي الامريكي الذي صدر عام 1948 الذي يقضي بان تسمح وزارة الخزانة الامريكية بتحويل عدد من العملات الاجنبية الى الدولار وبسعر ممتاز شرط ان تعكس المواد الاعلامية المصدرة الى الخارج، والمحققة للعائدات افضل سمات الحياة الامريكية، ومن الطبيعي ان تكون السينما التي كرست نفسها في تلك المدة بوصفها من اهم وسائل الاتصال الحديثة ومن خلفها الشركات السينمائية الكبرى اول من استثمر هذا الدعم المالي الكبير، وتمثلته ليس في تحقيق شرط القرار والقاضي بترويج النمط السياسي والاجتماعي الامريكي، بل بتحقيق انتشار واسع للرأسمال الموظف في هذا المجال ويكفي اننشير الى معلومة احصائية تذكر ان 60% من مجمل دخل الافلام الامريكية وهذه النسبة تعكس بوضوح (مشروعية) الامال التي تعلقها المؤسسة الامريكية على السينما في تقديم (طريقة الحياة الامريكية) هذا من جانب، ومن جانب اخر فان الشركات السينمائية الكبرى والتي تمارس سطوتها المطلقة على جميع العمليات السينمائية من انتاج وتمويل وتوزيع وعرض اصبحت مع مرور الوقت وبلا استثناء تحت سيطرة الشركات متعددة الجنسية وهو ما يفسر خطورة الدور الذي سيلعبه الفيلم المصنوع باتقان في معامل هذه الشركات، وكان من الطبيعي ان تنهض السينما بمهمة حمل ارسالة السياسية وللترويج الخطابي الدعائي، من خلال ابتكار الاساطير والرموز تبعا للظرف التاريخي والسياسي السائد.. رامبو، وجيمس بوند من خلال مدة الحرب الباردة مثلا.

ومع التطور التقني الهائل الذي اصاب هذا الفن العقدين الاخيرين كان لا بد من ان يوظف هذا التطور وبمهارة للاغراض نفسها فافلام الخيال العلمي والكوارث التي اخذت مساحة لا بأس بها في الانتاج الهوليودي، ليست بمنأى عن هذا التوجه، ويخطئ من يطن ان مثل هذه الافلام مصنوعة للتسلية والتسلية فقط، ويكفي ان نشير الى ان ذيوعها من خلال العقدين الاخيرين يرتبط بانفراد الولايات المتحدة قطبا واحدا في السياسة الدولية.

واذا كان المشاهد الاعتيادي لا يلمس بشكل واضح مثل هذا التوجه بسبب مباشرته وطروحه كمادة للتسلية فان ذلك لا يمنع من ملاحظة ان تبطن رسالة واضحة لا شك، ولعل دخول الافلام المستقلة ميدان الانتاج، خاص تلك التي حققت نجاحا جماهيريا ونقديا ملفتا، قد شكل عائقا واضحا امام ذيوع الافلام التي تنجها الاستوديوهات، التي غالبا ما يغري بريقها جمهورا واسعا خاصة مع الميزات المهمة التي يتصف بها النتاج الهوليودي الذي لا يختلف اثنان على كونه صاحب الفضل في خلق جمهور عريض للسينما منذ انطلاقها.

والسؤال الاهم يتعلق بالمجالات التي يمكن ان تنافس بها السينما المستقلة، سينما الشركات الكبرى، ربما لا يوجد اجابة واضحة بسبب كون التنافس يبقى بين طرفين غير متكافئين وخير مثال على ذلك ان الازمة المالية التي عصفت بالاقتصاد العالمي ثم بدأت بوادرها بالانفراج، لم تستطع ان تفت في عضد الشركات والاستوديوهات السينمائية الكبرى في ان تواصل منهاجها في تقديم افلام ذات كلف مرتفعة بنية تحقيق ارباح كبيرة، وربما يكون ذلك هو سر انفراد السينما الامريكية بالتفوق على مثيلاته، فهذه السينما تمتلك القدرة بسبب خبرتها وبراعتها في الصناعة، خاصة في ما يتعلق باستثمار التطور التقني المطرد على طرق كل المجالات المتاحة والحرص على تقديم المبتكر والجديد من اجل ان لا تتنازل عن عرشها، ولعل موجة افلام الجاسوية والمافيا التي اخذتها نصيبا كبيرا في الانتاج الهوليويد في السنوات الاخيرة، وحققت من ثم نجاحات مهمة في الايرادات خير مثال على ذلك، فضلا عن الافلام التي تعتمد التكنولوجيا الرقمية، والتي يحسب لهوليود الريادة والتفوق فيها، والتي استطاعت ان تنال شهرة كبيرة مع اللمسات (الامريكية) التي منحت ولا تزال تمنح فن السينما نكهته المحببة.

وربما مهرجان مثل كان هو المؤشر الاهم لمثل هذا التفوق للسينما الامريكية (التقليدية) ان صحت التسمية فهي اول من دفع فيلما وثائقيا لاعتلاء منصة السعفة الذهبية في هذا المهرجان عبر تاريخه الطويل، وهو فيلم مايكل مور (فهرنهايت/11 سبتمبر) على الرغم من موضوعته المتحررة من النمط الهوليودي وهي ايضا من اجبرت ادارة المهرجان على اختيار فيلم اينمشن (التحليق الى الاعلى) للعرض الافتتاحي في سابقة تاريخية ايضا للمهرجان السينما الامريكية والحال هذه حاضرة ابدا سينما ترفيه، وتسويق واضح للخطاب والنموذج الامريكي، لكنها ايضا سينما بمعنى وفائها لهذا الفن، تستثمر كا ما من شأنه ان يدفع بهذا الفن الى تأكيد شخصيته واستيفائه عناصر الصنعة والقيمة الجمالية.

والرواج الذي يصادفه مثل هذا النوع من الافلام يأتي من اعماده على اعلى ما وصل اليه التطور التقني في صناعة الفيلم، وكذلك الاساليب الحديثة في الترويج والاعلان، وكذلك الاساليب الحديثة في الترويج والتي من شأنها ان تقذف بكل التشكيك في احقية هذه السينما بالريادة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

في مديح الكُتب المملة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram