لطفية الدليميافتتاح الأيام الثقافية العراقية في عمان نهاية عام 2009، كنا في قاعة المركز الثقافي الملكي، وكان النحات الكبير محمد غني حكمت بسنواته الثمانين وهالة شعره الناصع مع زوجته الباحثة والآثارية الأستاذة غاية الرحال يجلسان خلفنا،
أقبل احد موظفي وزارة الثقافة العراقية ممن ينظمون الحفل وطلب من الفنان محمد غني أن يغادر مكانه بطريقة سمجة وقال له :هذه المقاعد مخصصة للدبلوماسيين وموظفي وزارة الثقافة العراقية وعليك ان تغادر هذا المكان ، فقلنا له: ألا تعرف من هو هذا الشيخ الجليل؟ قال: بلى، أعرفه انه النحات محمد غني.. إذن، أنت لا تجهله وهنا الكارثة ، أن يفضل موظف لا علاقة له بالثقافة وصل الى الوظيفة عن طريق المحاصصة والقبلية والحزبية- على مبدع كبير تزهو بأعماله كنائس روما والفاتيكان وباليرمو ومقر اليونسكو في باريس وساحات بغداد والبحرين وعمان... ربما لايعرف هذا الموظف الجاهل ان الذي سيبقى في الذاكرة الإنسانية وليس العراقية حسب هو جواد سليم وليس مدير الذاتية، نازك الملائكة لا عقيلة السفير الفلاني أوزوجة موظف التشريفات، الجواهري وليس مدير المهرجانات او ابن عمه او مدير مكتبه ، علي الوردي لا الرقيب الديكتاتوري الذي حظر أعماله، محمد غني حكمت وليس مدير العلاقات في وزارة ثقافة تجهل حجم وقيمة مثقفي العراق ومبدعيه و تبدد أموال الثقافة لشأن إعلامي بحت – كونها تقدم عملاً إعلامياً مرتبكاً وباهتاً يتعكز على اسم الثقافة العراقية - في جميع أيامها الثقافية المتنقلة بين العواصم العربية والعالمية.. .. المثقفون الحقيقيون ليسو بحاجة الى دروع إبداع لاقيمة لها ستتكدس لاحقا في صناديق المنبوذات -يخلط فيها بين المبدع الرصين الذي ترك تراثاً إبداعياً وثقافياً مشهوداً لبلده وبين المهرج المسف من المداحين والزاعقين ، نحن بحاجة للحوار بين المعنيين بالثقافة ومنتجيها ولوضع الثقافة في موقعها وتسمية الأشياء بأسمائها ، لسنا بحاجة الى مهرجانات إعلام سقيمة فقد اتخمنا إعلاماً منذ عقود ونحن نترنح على برزخ خطر بين الحضارة واللاحضارة ، بين الثقافة والجهل وبين الديمقراطية والقمع، وبين الإنغلاق الثقافي والانفتاح وبين الموت والحياة.. لسنا بحاجة لذلك بقدر ما نحن بحاجة إلى مشاريع تنوير حقيقية تمحو عتمات التشدد والتجهيل المقصود ، بحاجة إلى استذكار جهود تحرر المرأة التي بدأت منذ تأسيس الدولة العراقية، ومعها أرسيت أسس الحياة المعاصرة والتنوير للخروج من ظلمات العهد العثماني.. نحن بحاجة إلى تخطيط مستقبلي للثقافة بمشاركة جميع المهمومين بثقافة العراق ، لا اجترار الماضي والاستخفاف بالقيم المعاصرة، الثقافة ليست خطبا طويلة وتبادل زيارات وعروضا مفتعلة مسطحة للفرق الفنية التي توظف الهزال الراهن ، الثقافة صروح تبنى وأسس تقام وسلوكيات ترسخها الرؤية المنفتحة على المتغيرات الثقافية، والاستفادة من معطيات العولمة الإيجابية، وعقد ندوات الحوار المفتوح بين المثقفين والمسؤولين التي لم تحصل أبدا، اما كان الأجدر بوزارة الثقافة لو كانت حقا تعني اسمها - أن تعيد إعمار مسرح الرشيد بتكاليف بضعة مهرجانات بائسة تستنفد ميزانية الوزارة ؟؟، أما كان الأجدر بها أن تزيد عدد المسارح وتفتتح دور السينما المهجورة بدل تظاهرات إعلامية فجة للترفيه عن عشرات الموفدين من موظفيها دون أن تترك ظلا لمشروع ثقافي على أرض الواقع .؟؟، أما كان الأجدى لها أن تعمل على تمويل مشاريع افلام الشباب ممن نالوا جوائز مهرجانات دولية وان تمول المسرحيات الجادة والنوادي الثقافية، لا أن تسعى لتشديد الرقابة على المطبوعات والإنترنت، وكان الأبقى لها في ذاكرة المثقفين – اذا كانت معنية بالمثقفين أساساً - أن تعيد طبع نتاج الراحلين الكبار أمثال الدكتور علي الوردي، وغائب طعمة فرمان، وعلي جواد الطاهر ، وسواهم بتكاليف أيام إعلامية تدعى تجاوزا أياماً ثقافية ؟؟، وأن تتبنى ميثاقا يحمي المثقفين العراقيين من كيد العقول الظلامية، وتيسر لهم سبل العيش والأداء الثقافي في بلدهم بحرية وكرامة، وكان لها أولا أن تستفيد من تجربة المدى الثقافية وآفاقها ونجاحاتها وان تستعين باتحاد الأدباء كجهة استشارية ان كانت تجهل الثقافة وأهلها على هذا النحو المعيب ..اذكر ان وزير الثقافة العراقي الدكتور ماهر الحديثي قال في حفل الافتتاح ما معناه: لقد أصبح المثقفون العراقيون أحرارا بعد التغيير، يكتبون ما يشاؤون ويشتمون أي شخص في السلطة، ولا يحاسبهم أحد!!! ،اختزال الحرية بالقدرة على الشتم أمر يشير -للأسف- إلى فهم مسطح وغريب للحرية على أنها فوضى التلاسن ونشر الغسيل القذر
دروع وإعلام مرتبك، فأين الثقافة؟
نشر في: 20 يوليو, 2010: 06:25 م