ذي قار/ حسين العامل
احتفل ابناء طائفة الصابئة المندائيين في ذي قار صباح يوم الثلاثاء (الاول من تشرين الثاني 2022) بعيد الازدهار (الدهفة حنينا)، الذي يعد واحدا من اهم الأعياد الدينية الأربعة عند الطائفة المندائية، اذ يحتفي المندائيون بازدهار الأرض وتقييد عالم الشر وعودة الملاك (هيبل زيوا) من عالم الظلام إلى عوالم الأنوار.
وتقام في هذه المناسبة مأدبة افطار جماعية لأبناء الطائفة وضيوفهم في مركز عبادة الصابئة المندائيين (المندي)، فضلا عن طقوس التعميد واقامة الصلوات وعمل الثوابات (اللوفاني) على ارواح المتوفين.
وقال رئيس مجلس أبناء الصائبة المندائيين في ذي قار، الدكتور سامر نعيم، في حديث لـ(المدى) إن "ابناء طائفة الصابئة المندائيين يحتفلون اليوم (الثلاثاء) بعيد الدهفة حنينا الذي يعد احتفالا بازدهار الارض بعد تطهيرها من قوى الشر على يد الملاك (هيبل زيوا) مبارك اسمه"، مبينا ان "العشرات من المندائيين اخذوا يتوافدون على المندي (مركز عبادة المندائيين) لاقامة الطقوس الدينية في هذه المناسبة ولاسيما طقوس التعميد وعمل الثوابات (اللوفاني) على ارواح المتوفين".
وتتميز مأدبة الافطار الجماعية التي يقيمها المندائيون في صباح عيد الدهفة حنينا بتقديم الرز واللبن (الروبة) والتمر والبيض والسمن الحيواني (الدهن الحر) وهي جزء من الفولكلور والتراث العراقي القديم ولا تدخل ضمن الطقوس الدينية للطائفة.
ويبين نعيم ان "المأدبة لا تقتصر على اليوم الاول من العيد بل يمكن اقامتها في أي يوم من الايام الثلاثة التي يحتفي فيها المندائيون بعيد الدهفة حنينا".
وافاد نعيم أن "المندائيين في جميع دول العالم حريصون على التمسك بتراثهم الديني والاجتماعي وهم يلتزمون بتطبيق طقوسهم وعاداتهم وتقاليدهم القديمة اعتزازا بمبادئ أسلافهم التي تدعو للتسامح والألفة وتقوية الأواصر الاجتماعية وإشاعة المحبة والسلام".
وأشار رئيس مجلس أبناء الصائبة المندائيين في ذي قار إلى أن "المندائيين حريصون كذلك على التأقلم مع محيطهم وبناء علاقات اجتماعية جيدة مع الطوائف الأخرى التي يحرص الكثير من اتباعها على مشاركة المندائيين أعيادهم ومناسباتهم الدينية والاجتماعية".
ويحتل الاحتفاء بالدهفة حنينا الذي يستمر ليوم واحد بحسب التعاليم الدينية وثلاثة ايام بحسب الطقوس الاجتماعية، موقعاً خاصاً في نفوس المندائيين سواء من الناحية الدينية او الاجتماعية حيث يعد فرصة للتواصل الاجتماعي وزيارة العوائل المتعففة من ابناء الطائفة وتقديم الدعم المادي والاغذية المختلفة، كما يحرص المندائيون في مثل هذه المناسبة على تقديم التعازي للأسر التي فقدت احد افرادها في الايام التي سبقت العيد.
وتبدأ الاستعدادات (للدهفة حنينا) منذ ساعات الفجر الاولى اذ يؤدي المندائيون الصلاة وقراءة الادعية والتراتيل الدينية ولا سيما دعاء الرحمة (نياني رهمي) كما يقومون بالإعداد والتحضير لمأدبة جماعية في المندي يقدمونها كوجبة فطور بعد شروق الشمس. كما يتهيأون لطقوس التعميد التي تعتبر طقسا دينيا رئيسا لتطهير النفس والجسد.
وفي يوم (الدهفة حنينا) يأخذ الصابئة المندائيون ومنذ ساعات الصباح الاولى بالتوافد على مركز عبادتهم (المندي) وهم يرتدون ملابسهم الدينية البيضاء (الرسته) التي تتكون من خمس قطع هي (الكسويا – القميص) و(الشروال - السروال) و(البرزنقا- العمامة) و(النصيفة - الوشاح) و(الهميانة – الحزام) وهذه الأخيرة عبارة عن حزام من الصوف يتكون من 61 خيطا وهو أقدس جزء في الرسته.
ويؤدي الصابئة المندائيون طقوس التعميد (الارتماس في الماء) في المناسبات الدينية وايام الاحاد فقط وبحضور رجل دين بدرجة (ترميذة) على اقل تقدير. كما يعتبر يوم الاحد من اقدس الايام في الديانة المندائية فهو يوم تكوين الخليقة وهو اول ايام الاسبوع المندائي.
وتوضح المصادر التاريخية القديمة ان الارتماس في الماء وكجزء من الطقوس الدينية كان يجري في العراق قبل ولادة المسيح بآلاف السنين مع اختلاف واضح في مضمون الصلوات المصاحبة لطقس التعميد اذ كانت الصلوات تختلف من دين لآخر.
وتشير المصادر المندائية الى ان (الدهفة حنينا) يأتي في الثامن عشر من شهر (تورا) المندائي، ويسمى احيانا (عيد الازدهار). فكلمة دهفة في اللغة المندائية تعنى مناسبة اما كلمة حنينا فتعني الازدهار، والعيد هو عيد الازدهار كون الحياة قد دبت في الارض في مثل هذا اليوم وازدهر العالم المادي بحسب الاعتقاد المندائي.
الا ان رجال الدين المندائيين غالبا ما يفضلون اطلاق تسمية عيد الانتصار على الدهفة حنينا كون الملاك (هيبل زيوا) انتصر في مثل هذا اليوم على قوى الشر في العالم السفلي وتمكن من تقييدها واخضاعها لطاعة الخالق بعد سيطرته على اسرارها المتمثلة (بالسكين دولة)، وبهذا مهد لتصلب الارض وهيأها لازدهار الحياة.
ويعد عيد (الدهفة حنينا) واحداً من أهم أربعة أعياد سنوية لدى الصابئة المندائيين الذين يبلغ تعدادهم نحو 60 ألف نسمة في جميع أنحاء العالم، والأعياد المندائية هي العيد الكبير "دهوا ربا"، ويوم التعميد الذهبي "الدهفة ديمانه"، وعيد الازدهار "الدهفة حنينا"، فضلاً عن عيد البنجة، كما يحتفل المندائيون سنوياً داخل العراق وخارجه، بثلاث مناسبات دينية أخرى، هي "أبو الفل"، و"أبو الهريس"، و"شيشان عيد".
ويقدر عدد أبناء الطائفة المندائيين في محافظة ذي قار بنحو ثلاثة آلاف شخص (هاجر الكثير منهم) وهم يتوزعون في مناطق الناصرية وسوق الشيوخ والشطرة ومناطق أخرى من المحافظة، ويعرف عنهم كباقي الأقليات في العراق بأنهم من الأشخاص المسالمين ويمتهن الكثير منهم الصياغة والتجارة والحرف اليدوية.
والصابئة المندائيون من اقدم سكان بلاد الرافدين، وديانتهم من أقدم الديانات الحية في العراق، وأول ديانة موحِدة في تاريخ البشرية، وبحسب مصادر تاريخية مختلفة فإنها نشأت في جنوبي العراق، وما يزال أتباعها يتواجدون في المحافظات الجنوبية، بالإضافة إلى إقليم الأحواز في إيران، كما يوجد الآلاف منهم في الولايات المتحدة ودول أوروبية أبرزها النرويج وأستراليا والسويد وهولندا، حيث هاجروا إليها واستقروا فيها في غضون العقدين الماضيين. ويعتبر الصابئة يحيى عليه السلام نبيهم، ويحتفظون بكتاب مقدس يعرف باسم "الكنزا ربا" وكتب وأسفار أخرى. وللصابئة خمسة معابد في بغداد والعمارة والناصرية وكركوك وأربيل (شمال) وسادس بمدينة الديوانية (جنوب)، وقد ورد ذكرهم في ثلاث آيات قرآنية هي البقرة والمائدة والحج.
ويستخدم الصابئة في صلواتهم اللغة المندائية، وهي لغة سامية قديمة لم تعد مستخدمة للتواصل اليوم إلا في نطاق محدود جدا، وحلت مكانها العربية، لكن المندائية بقيت مستخدمة في الطقوس الدينية. وتعد اللغة المندائية من اللغات المهددة بالانقراض وفق معايير منظمة اليونسكو التي تعتبر اللغة التي لا يرتقي عدد المتحدثين بها الى 1000 شخص لغة مهددة بالانقراض. اذ ان عدد المتحدثين باللغة المندائية من الصابئة المندائيين البالغ عددهم نحو 60000 نسمة في جميع انحاء العالم لا يتجاوز الـ 100 شخص. يشكل رجال الدين نسبة 40 % تقريبا منهم بحكم ان الطقوس الدينية المندائية التي يجريها رجال الدين تتم باللغة المندائية. فيما لا يتحدث بالمندائية في ذي قار سوى 5 اشخاص جميعهم من رجال الدين.