متابعة / المدى
“ماكو سمك يعني ماكو عيشَة”. صدمة كبيرة يعيشها من يمتهنون صيد الأسماك في شط العرب بمحافظة البصرة، أقصى جنوبي العراق، فمهنتهم باتت تصارع الانقراض اليوم.
“ما أتخيل حياتي بدون السمك”، بملامح متعبة وبوجه حزين، يقول عامر حسين، صياد سمك في شط العرب بمدينة البصرة.
نفوق الأسماك
عامر حسين، كان في شط العرب يحاول صيد الأسماك، ومعه 3 من أطفاله، كلهن من الإناث. “المي كلّه ملوّث ولهالسبب ماكو سمك زين”، يقول حسين.
لا يعني أن عدم وجود الأسماك هو اندثارها بشكل تام من النهر، لكن ما يحدث في الغالب هو نفوق الأسماك بسبب ملوحة وتلوث مياه شط العرب، إضافة إلى شحة مياه دجلة والفرات في العراق.
في حزيران/يونيو الماضي، أظهرت صور تداولها رواد مواقع “التواصل الاجتماعي” في العراق، مشاهد في نهر العشار المجاور لشط العرب، تتمثل بنفوق عدد هائل من الأسماك حينها.
نفوق الأسماك في نهر العشار، كان سببه شدة التلوث وتحول مياه أغلب أنهار البصرة إلى مكب نفايات لمجاري ثقيلة تصدر منها روائح عفنة، بحسب تقارير صحفية عراقية.
“لا بُنيّة ولا زبيديّة ولا غيرهن. لو أصيدلي 3 سمكات بس وحدة منهن كبيرة لو أطلعلي بسمكة وحدة باليوم. صارلي على هاي الحالة شهرين”، يقول حسين، وهو محتار بشأن مستقبله في حال اندثار مهنته الحالية.
نقص المياه
مهنة صيد الأسماك تنتشر في محافظة البصرة أكثر من أية محافظة عراقية أخرى، وأصحابها يمتهنونها من أجل توفير لقمة العيش، إذ يقومون ببيع ما يصطادونه في الأسواق، لكن حياتهم المعيشية تزداد صعوبة مع شحة الأسماك ونفوقها بشكل كبير منذ الصيف الماضي.
في وقت سابق، قال قائممقام قضاء شط العرب في البصرة، حيدر طعمة خضير، إن جميع المؤشرات تؤكد أن الفترة المقبلة ستشهد نقصا كبيرا في المياه، وإن محافظة البصرة ستكون أكثر المدن تضررا، بحسبه.
خضير بيّن في تصريح سابق أن “الضرر سيكون على مياه الموارد بصورة مباشرة، فضلا عن الحقول الزراعية وتربية الحيوانات؛ بسبب غزو اللسان الملحي وصعوده إلى أعالي شط العرب”.
“لحد العام كنت أصيد خير من الله يومية. كان كل يوم أقل شي يطب بجيبي 50 ألف دينار. من الصيف ولهسه خسرت هواي. حتى بنيّاتي اللي أمامك صرت ما أقدر أوفرلهن حاجاتهن مثل قبل”، يقول حسين.
منذ 7 أشهر، يشهد نهر الفرات أزمة ملوحة غير اعتيادية، وأعلنت وزارة الموارد المائية العراقية، نهاية شهر أيار/مايو المنصرم، إقرار تخصيصات مالية خاصة بمعالجة الملوحة في نهر الفرات، لكن الأزمة لم تنتهِ حتى اليوم.
انقراض المهنة؟
شط العرب يتكون من التقاء نهري دجلة والفرات فيه، إذ يتفرق كل منهما منذ دخول مياههما إلى العراق من تركيا، ونقطة الالتقاء الوحيدة لهما، تكون في البصرة.
كان عامر حسين “يدَنْدِن” مع نفسه بأغنية “يا صَيّاد السمك صِدلي بُنيّة”، وعندما سأله المراسل، “شكم بَنيّة صدِت اليوم”، انسكبَت الدموع فجأة على وجنتَيه وتركَ سِنّارَته وجثم على الأرض.
“ما أدري شلون راح أعيش وأترك مهنة أجدادي. صارلي شهرين لو يدخل بجيبي 15 ألف لو لا. صار لازم أدوّر على شغلة ثانية، بس شَعرف أشتغل وآنه بهالعمر هذا. ووين الشغل أصلا”، بحسرَة تجر الحسرَة يقول حسين.
حسب إحصاءات شبه رسمية، انخفضت معدلات إيرادات نهري دجلة والفرات، بنحو 50 في المئة عن معدلاتها الطبيعية خلال الأعوام الماضية بسبب قطع مياه دجلة والفرات من قبل أنقرة وطهران، لتتسبب بانخفاض مليار لتر مكعب من المياه، وخروج 260 ألف دونم من الأراضي الزراعية المنتجة عن الخدمة، وهو ما فاقم من أزمة أصحاب مهنة صيد الأسماك.
بالنتيجة، المشكلة كبيرة جدا، ومهنة صيد الأسماك قد تنقرض بشكل كلي، ويكون أصحابها ضحية سياسة الحكومات المتعاقبة والحالية، ما لم يتم التحرك جديا لحل إشكالية تلوث مياه دجلة والفرات، ومنح العراق حصصه الطبيعية من المياه من قبل تركيا وإيران.
• عن موقع "الحل نت"