عبد المنعم الأعسم
لا لومَ كثيرا على الذين يراهنون على رئيس الحكومة الجديد محمد شياع السوداني، فلهم بعض العذر الموصول الى عام انقضى في التجاذب، والتوتر، وحدّ السيوف، والخشية من انهيار الاوضاع، ومهددات انعدام نقطة التوافق على "سائق" يقود القاطرة المتهالكة، "المزنجرة"،
الى مرحلة يلتقطوا خلالها الانفاس المضطربة، أو الحاجة (حتى) الى خطوات تعبر بهم برك الدماء، وتحفظ لهم بقايا سمعة وبطانات، حيث تراجعت حظوظهم (قبل ذلك) الى مناسيب مقلقة في معايير السياسة ومقاييس المعاملات العامة، قبل ان يحولهم "القضاء" الى قدر ويعيدهم الى الملعب.
أكرر.. لا لوم على اولئك الذين وجدوا في السوداني خشبة النجاة من مهاوي الكوابيس، ومخاوف الانواء، واحكام الانشقاق، وانقلاب المعادلات التي آلت إليهم، وشاركهم في ذلك جمهور من اصحاب المصالح "المحددة" ممن يمنون النفس بإبقاء الحال على حاله، كما شاركتهم الموقف ضمن مسافة محسوبة كلّ من طهران وواشنطن لحسابات بائنة، واخرى غاية في التعقيد، ولن يلومهما في ذلك لائم إلّا من يجهل طبيعة المصالح والسياسات والصفقات التي تديرانها، مباشرة، او بواسطة وكلاء.
لكن اللوم (إذا شئنا ان نلوم) يوجه الى الغلوّ في المديح، والافراط في المراهنة، والاستطراد في تعليق الآمال، والنفخ في الجزئيات الادارية، وإطلاق الفرضيات الاستباقية غير المضمونة، والحديث عن منجزات لم تتحقق، وعن رخاء لم يحلّ، وعن امن ونزاهة وفرص عمل وخدمات لا أثر لها في الواقع، واللوم مضاعفاً لمعلقين واصحاب وجهات نظر دخلوا اللعبة مدخل غشّ يحمّل أكتاف الرجل فوق ما تحتمل، ويلوي اعناق الاحتمالات خارج ما هو متوقع.
خلال ذلك طالعنا وسمعنا الاعاجيب عن معجزات في الطريق، وعن مقاربات تصحح وتعدّل وتغير، وعن سوء حظ العراق إذ تأخر في اصطفاء السوداني رئيسا لحكومته، ما يثير الشكوك في صدقية اصحاب هذه البالونات لجهة دعم "المنقذ" بدلا عن دعم مشروع الانقاذ، واحسب ان الرجل لم يكن ليحتاج حفلات الاطراء عن خطوات لم تتخذ بعد، ولا رهانات تزيد من ارباكات مسيرته.
في علم السياسة انْ تراهن على امر لا يتحقق فانت تقامر بأشياء كثيرة، من بينها صدقيتك، وسيكون الرهان باهض التكاليف حين يستخدم في ميدان السياسة والشؤون العامة، والامر هنا يتعدى النيات (الطيبة او السيئة) الى ما هو اخطر وذي صلة بأقدار الدول ومصائرها، حيث تمتد ظواهر ومفارقات المراهنة في عمق التاريخ ووجدت إشارات لها لدى هيرودوتس وفي آثار الفراعنة والفرس والصينيين القدماء والبابليين والإغريق الى حروب الأندلس، وقد استخدمت في القرن الرابع عشر كعلاج للمرض العقلي الذي أصيب به ملك فرنسا شارل السادس، لكن أرسطو صنف المراهنين في كتابه (الأخلاق) ضمن طبقة اللصوص وقطاع الطرق، ولم يسقط هذا التصنيف بمرور الفين وخمسمائة عام.
استدراك: "ليس هنالك شيء أسوأ من باب مغلق"
هيتشكوك