فريدة النقاشأختلف سياسياً اختلافاً جذريا مع الزميل مجدي الدقاق رئيس تحرير مجلة (أكتوبر) وقد مارسنا معا هذا الاختلاف المتحضر في أكثر من برنامج تليفزيوني وعلي الهواء مباشرة، ولسان حالنا يقول ان خلاف الرأي لا يفسد للود قضية. وبسبب هذه الروح المتحضرة والديمقراطية التي أظهرها (مجدي الدقاق) على خير نحو حين تولي رئاسة تحرير مجلة (الهلال)
وسلسلة كتاب (الهلال) ورواياته اتفقت دائما معه حول مبادئ المواطنة كأساس جوهري لأي تقدم في ميدان الديمقراطية التي مازالت مصر تحبو في الاتجاه اليها، ويقف مجدي الدقاق في الحزب الوطني الحاكم في قلب تيار ديمقراطي علماني مهم، وإن كان ليس التيار الأساس في هذا الحزب المتعدد التيارات والتوجهات المتصارعة.ومن ظني أن الموقف العلماني (للدقاق) والذي يمكن ترجمته ببساطة في ضرورة فصل الدين عن السياسة اعتمادا على مبادئ الثورة الوطنية المصرية الكبرى لسنة 1919 التي رفعت شعار الدين لله والوطن للجميع وأن الدين هو علاقة شخصية بين الانسان وربه أقول في ظني إن هذا الموقف لـ (الدقاق) هو الذي دفع بعض الصحفيين من العاملين بالمجلة التي يرأس تحريرها إلى تقديم بلاغ للنائب العام يتهمونه فيه بالإساءة للذات الإلهية والتطاول علي سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم والسخرية من الفرائض الدينية والشرائع الاسلامية، مطالبين بمحاكمته بتهمة الاساءة للذات الالهية وازدراء الأديان، وهو اتهام مضمون النتائج كما أثبتت تجارب كثيرة أدت لا فحسب لعزله من وجه الاتهام بل لقتله.ومن جهته قام الزميل مجدي الدقاق بتقديم بلاغ للنائب العام ضد المحررين الذين كانوا قد قاموا باستعداء مجموعة من الأزهريين الذين يسمون أنفسهم جهة علماء الأزهر. وهي الجهة التي كان الأزهر قد قام بحلها ولم يعد لها أي وجود قانوني بعد ضلوعها في تكفير بعض الكتاب والمفكرين وابتزاز المجتمع.وواصل هؤلاء الأزهريون عملهم القديم وأصدروا بيانا باسم الجبهة - غير الموجودة - يكفرون فيه (مجدي الدقاق) بناء على الأقوال المرسلة للمحررين المختلفين مع رئيس تحريرهم حول قضايا مهنية، وقال هؤلاء الأزهريون في بيانهم (انه اذا ما ثبت ذلك - وذلك يعني الاقوال المنسوبة لـ (الدقاق) والتي لم يتحقق منها الأزهريون وجب على جيرانه عدم التعامل معه، بل وذهب بيانهم إلى ما هو أبعد من ذلك حيث طالبوا باهدار دمه).ولعل هذه الفقرة الأخيرة التي تتعلق باهدار الدم أن تكون أخطر ما في البيان لأنها تفتح الباب لبعض الجهلاء والحمقى.وما يحدث الآن في هذه القضية هو علامة جديدة من علامات تدني الحوار في المجتمع، وتشوه العلاقات داخل المؤسسات الصحفية على نحو خاص، وغياب نقابة الصحفيين المنوط بها حل المشكلات المتفاقمة بين المحررين ورؤساء التحرير ومجالس الادارات عامة وقبل أن تصل إلي النيابات والمحاكم، وخلق نفوذ معنوي حقيقي لميثاق الشرف الصحفي وتطبيقه بحزم على الكبير والصغير.وتدني الحوار على هذا النحو هو خطوة نحو صعود القوى والأفكار الرجعية المعادية للحريات وذات الطابع الفاشي الإجرامي المغرق في يمينيته والذي يستخدم الشعارات الدينية ليخفي أهدافه السياسية الحقيقية حيث يسعى للعودة بنا إلي القرون الوسطى الأوروبية حين سيطر من يسمون انفسهم رجال الدين والكهنوت،على مقاليد الأمور، وجروا المفكرين الاحرار الي المشانق والسجون لمقاومة الثورة التي كانت حتمية ضد استبدادهم وهمجيتهم.وكانوا يعرفون جيدا أن المثقفين الطليعيين الأحرار هم الخطر الأعظم لأنهم يفتحون عقول الجماهير وقلوبها على حقائق الصراع مما يعين على تعبئتها لمواجهة السطوة التي تبرر نفسها باسم تفويض إلهي لم يمنحه لهم أحد.لقد وصل ابتزاز المتاجرين بالدين لحد إجبار الزميل (مجدي) على الإقرار في بلاغه للنائب العام بأنه قد أدى فريضة الحج وكأنه يعطي الحق لهؤلاء الذين يمارسون الابتزاز ويشهرون سلاح الردة، رغم انه من الثابت عدم وجود حد للردة في القرآن الكريم يعطي لهؤلاء الحق في أن يشقوا عن قلبه، وبذلك يثير اطماعهم البغيضة ويشجعهم علي التمادي.وكلنا أمل حين تحقق النيابة العامة في الموضوع ان تغلق إلى الأبد الباب المفتوح على الجحيم لردع هؤلاء المتاجرين بالدين.
المـتـاجــرون بالـديــن
نشر في: 20 يوليو, 2010: 07:26 م