سعد المشعل
المُعلّق الكبير الأستاذ مؤيد البدري الراحل عنا في عمر (88) عاماً أيقونة التعليق الرياضي كان يتمتّع بفنِّ التخاطُب مع الجمهور نظراً لكاريزماه الخاصّة التي يتحلّى بها، ولصوته الجهوري الراقي الفريد من نوعه، وحركة جسده ورزانتهِ وقوّة تحليلهِ للمباريات،
وكان يصنع الإبداع في كابينة التحليل وما يمتلكه من غزارة المعلومات والتوظيف بكل أنواعه، أبدع كثيراً وتألّق حتى أصبحت لديه قاعدة شعبيّة مُذهلة بفضل أسلوبه وتعليقه الأنيق المُميّز الذي أضفى على رتم المباراة المُتعة والحماسة، ولا ننسى خبرته اللغويّة التي تبرز بأتقان عند تعليقه على أي مباراة.
أشتهر البدري بالعديد من العبارات الخاصّة مثل (هلّه هالله .. روح أحمد روح ) لنبرته الرياضيّة البحتة، يُشعرك كأنّه ضمن تشكيلة المنتخب العراقي، وأحّد لاعبيه الذين يداعبون الكرة داخل الملعب.
يُعد الرائد الإعلامي أبا زيدون المُتخصّص في العديد من المباريات ذات النوع الخاص والثقيل، والذي شغل رئاسة اتحاد الكرة العراقي لعشر سنوات، واحداً من أهم شخصيات الصحافة الرياضيّة العراقية والعربية والآسيوية.
صوت البدري الذهبي هو الأقرب إلى المتلقّي ولكلّ الأسر العراقية التي كانت تنتظر برنامجه الرياضي يوم الثلاثاء (الرياضة في أسبوع) ليقضوا أوقاتهم بتلك الدقائق الرائعة، ومن خلال تعليقه للمباريات التي يشهدها صوته الشجيّ وأسلوبه النادر الذي يجذب المشاهدين ويبعث الحماسة في المباريات حتى لو كانت مُملّة وبأسوأ حالاتها! وقد حصل البدري على جوائز وشهادات تقدير عديدة وتكريم خاص من أعلى الجهات العراقية والعربية والعالمية حتى أحترف في الدوحة خبيراً للنادي العربي القطري.
البدري يُقدّم المعلومات الدقيقة للمشاهدين بيسرٍ لما يمتلكه من أرشيف متكامل لكلّ لاعب وفريق ومنتخب، فبالرغم من وجود العشرات من القنوات الرياضيّة المحليّة والعربيّة والأجنبيّة كان المشاهد الرياضي يختار المحطّة أو القناة التي سيتابعها من خلالها مباراة لمنتخبنا الوطني أو للأندية الجماهيرية المشاركة في الدوري العراقي.
هنا سيُفاضل المتابع بين أسماء المعلّقين وبات الجميع يدرك مهارة معلّق المباراة في غرفته الخاصّة أو كابينته عن مثيلاتها ضمن المستطيل الأخضر بجُملِه الأدبيّة واللطائف اللغويّة، وكان لدى العراق محطتان فقط، وكلّ الناس تتشوّق لتلك الساعة الأسبوعية المخصّصة له وحتى يومنا هذا عندما نسمع صوته الجميل من شريط الذكريات أو المباريات القديمة نشعر بالسعادة.
كان أبا زيدون كامل الخبرة ويُعمّق الفهم ويرسّخه في فكر تلامذته ويعلّمهم أساسيّات الدخول إلى الاستوديو وكيف يجهّز برنامجه أو فترة التعليق ويسعى دائماً إلى تطوير عقليّتهم ليتمكّنوا من فهم الآراء والطروحات العلميّة التي يلقيها عليهم وأنواع المهارات ويصقل فكرهم ليجتهدوا من أجل التحضير والتهيؤ للتعليق على المباريات بمهارة شرط ان يتميّزوا ويطوّروا أنفسهم ويكونوا مُلمّين بكلّ المعلومات التي تتطلّبها وظيفة التعليق، وأن يلتزموا بكل التوجيهات التي تمكّنهم من أن يكونوا بالصفّ الأول وعلى أهبة الاستعداد للتعليق بعد تمتّعهم بالمواصفات العالية المتميّزة بالدقّة ويلتزمون بالارشادات والنصائح التي قدّمت لهم ليتعاملوا مع الميكروفون بحذر ويبدعون في مهامهم.
تابعنا كثيراً من المباريات لمُعلّقين شباب شعرنا لهم القدرة على التألّق، لكنّهم يحتاجون إلى وقت طويل وإلى دراسة وتدريب أكثر وحبّذا لو تقرّبوا أكثر إلى مُعلقّينا الرائعين علي لفتة ورعد ناهي ليكتسبوا الخبرة أكثر ونتمنى أيضاً أن يبتعدوا عن الصراخ غير المبرّر والاندماج مع المباريات مهم للغاية، بأسلوب حضاري وأن كانت هنالك فواصل في المباريات بأمكان المعلّق أن يُقدّم معلومة تفيد الجماهير حصراً وأن تكون رياضيّة تخصّ اللاعب أو الفريق كونه مُعلّق رياضي ولا يخرج عن أجواء المباراة، ويجب أن لا تقل مهاراتهم عن اللاعبين داخل المستطيل الأخضر.
نطالب الجهات المعنيّة بانصاف شيخ المُعلّقين ورئيس اتحاد الكرة مؤيد البدري وإنجاز نصب تذكاري له يليق بسمعتهِ الكرويّة وما قدّمه للعراق أو تسجيل مدينة أو شارع رسمي باسمه لأنّه يستحقُّ ذلك فعلاً كرمز وطني كبير.