ترجمة:عدوية الهلالي
بعد حصولها على جائزة غونكور لأول رواية لها (فلترثيك دجلة) في عام 2021، عن قصة اليوم الأخير لشابة عراقية قبل قتلها من قبل شقيقها، اصدرت إميليان مالفاتو روايتها الجديدة (العقيد لاينام ) في آب الفائت عن منشورات سوسول، وهي رواية تقشعر لها الأبدان عن الحياة اليومية في بلد يعيش حالة حرب وعما يمر به «عقيد متخصص في الاستجواب».
وتدور احداث القصة في بلد يمربحالة حرب - لم يُذكر اسمه مطلقًا – حيث يمارس عقيد عمله بطريقة منهجية في غرفة في الطابق السفلي اذ يقوم بتعذيب الرجال لحملهم على الاعتراف.
كان العقيد «المتخصص»،هوالأفضل في مجاله. لكنه لم يكن ينام في الليل اذ تطارده أشباح أولئك الذين كان يعذبهم، أي كل من قتلهم «قبل عشر سنوات، أو عشرة أيام، أو هذا الصباح».
ويشهد جندي شاب كل يوم جلسات التعذيب في الظل، وبينما الجلاد «يقص ويقطع ويبتر لساعات»، كان الشاب يفكر في فتيات القرية، أو حتى «يقرأ الرسائل التي كان يتلقاها من والدته منذ وصوله»، فهو لا يتقبل مايحدث في غرفة التعذيب ولكنه «لا يفكر في طلب نقله « لأن قلة هم أولئك الذين يجرؤون على المطالبة بالتغيير، والاحتجاج.
القصة،هي رواية كلاسيكية، تتناوب مع الصوت الداخلي للعقيد. ويروي هذا المونولوج الداخلي ليالي الأرق، والكفاح ضد هجوم أشباح ضحايا العقيد السابقين الذين يأتون لمطاردته.
ومن خلال عدم تسمية الشخصيات او الأماكن والوقت والعدو، ترسم الروائية صورة شاملة للحرب. وكما هو الحال في ديكور مسرح تم رسمه بلمسات بسيطة، نرى بابا مغلقا معزولاعن الواقع حيث يُطلق العنان لأسوأ الرجال لممارسة ساديته، ومن هنا تسلط الروائية الضوء على عبثية الحرب، التي تتجاوز أهدافها، وتفتح ثغرات لجنون الرجال. فالعقيد سيواصل إنجاز مهمته المروعة، «باحتراف»، وبحماس، حتى الإرهاق.
ومع هذه الرواية الانطباعية، نجحت إميليان مالفاتو، على نحو متناقض، في تصوير وحشية الحرب بوضوح نادرًا مايجد مثيلا له. لأنه إذا كان الديكور ضبابيًا، والوجوه غير واضحة، فإن الروائية تدخل تحت المجهر إلى اعماق شخصياتها، في ظلامها، وفي جُبنها، متتبعة ملامحا واضحة جدًا في أكثر شؤونها حميمية. وهكذا تخرج من جو ضبابي، يكاد يكون بلا حياة،وشبه سريالي، بحدة لا تصدق، وبواقعية تقشعر لها الأبدان، كاشفة عبر أهوال الحرب عن جزء من الحقيقة المطلقة للإنسان.
وتذكرنا هذه الرواية برواية (صحراء التتار) للروائي الإيطالي دينو بوزاتي، وهو أيضًا صحفي ومراسل حرب، مثل إميليان مالفاتو،وحاز على جائزة ألبرت لندن في عام 2021 عن رواية (الثعابين ستأتي إليك) التي تتحدث عن قصة كولومبية.
ولدت أميليان مالفاتو عام 1989، ودرست الصحافة والتصويرالفوتوغرافي في فرنسا وكولومبيا. انضمت إلى وكالة فرانس برس في فرنسا ثم إلى مكتب الشرق الأوسط في قبرص.وعملت منذ عام 2015، كصحفية مستقلة، في العراق. غالبًا ما فازت تقاريرها وأعمالها الفوتوغرافية بجوائز. في عام 2019، تم تكريم مشروعها (البنات) في جنوب العراق بالجائزة الكبرى للتصوير الوثائقي من (المنتدى الأكاديمي الدولي). كما حازت على جائزة غونكور في الرابع من آيارعام 2021 عن روايتها (لترثيك دجلة) التي كتبتها بأسلوب بسيط، وبجمل غالبًا ما تكون قصيرة ومثيرة. فكانت رواية ذات ايقاع سريع تذهل القارئ ببساطتها ودقتها..