حيدر المحسن
2
الكاتبة الإيطالية غراتسيا ديليدا هي ثاني امرأة تحصل على جائزة نوبل للآداب، وفي أيلول 2018 رفعت أكبر شركة طيران نرويجيّة صورتها على طرفي ذيل الجناح الخلفي لطائرة من طراز بوينغ 737، وصرّحت مديرة شركة الطّيران:
“نحن سعداء بالفعل بتخصيص إحدى طائراتنا لواحدة من أشهر كاتبات العالم، ونحن سعيدون بإعلاننا عن ذلك في ذكرى مولدها”. كم هو عدد النساء اللاتي تقدّمن إلى البشر بأفكار عظيمة في دول الغرب، ومن المعلوم أن إبداع الرجل جزء لا ينفصل عمّا تقوم به المرأة؟! عدا زها حديد، ابنة وزير الصناعة العراقي محمد حديد، وهو شخصيّة تنويرية وليست ظلامية وعدميّة، لم ينتج شرقنا الإسلامي امرأة كان لها حظّ الابتكار أو الاختراع أو الاكتشاف، وربما كان الحِجاب هو السبب الرئيسي في عزلها، وجعلها تعيش في قوقعة معتمة لا تصلها النسائم والأضواء إلاّ القليل أو أقلّ من ذلك. ما الذي قدّمته إيران الإسلامية من خير في سبيل تطوير حياة الإنسان طوال 50 عاما تقريبا؟ وكذلك الحال مع أفغانستان، وغيرهما من البلدان التي ظلّت تعامل المرأة منذ مئات السنين مثل كائن ينام خارج البيت في شرنقة، فهو إذن غير مكتمل النموّ، وبالتالي يحتاج إلى الرعاية.
إذا كان الحجاب يزيّن المرأة في نظر الرجل، ويدعوه إلى الاعتداء والتحرّش بها، كما أن الحجاب يُضعف المرأة، ويقزّمها في داخلها، فما هي وظيفته إذن؟ هل هو قشرة موز رماها العدميّون في طريق المجتمع لأجل أن ينزلق سريعا في طريق لا تؤدي إلى شيء، ويكون عندها البلد لابثا مستقرا في الدرجة الأخيرة من المدنية والتحضّر؟ إننا ننظر في شرقنا الإسلامي إلى المرأة على أنها وسيلة -تشبه الدمية- غرضها إمتاع الرجل فحسب، وليس لديها ما يسيّرها غير غريزتها، وإن طال بها العمر وصارت عجوزا. قالت العرب: “لا تأمن امرأةً حتى تموت”. غير أن الكشوف العلمية أثبتت بطلان هذا الكلام. في رواية (رغبة) للفرنسي سوليس نقرأ هذه الحقيقة الصادمة: “أدركت البشرية أخيرا أن ثمانين في المئة من النساء لا يعنيهنّ الجنس، وهنّ، في الغالب، ملزمات إيّاه لأسباب تتعلّق بالنفوذ والسلطة”.
كان هرقل يمعن في الأمازونيات قتلا ونهبا واغتصابا، وجميع النساء كن يهربن من طريقه. إحداهن بدت غير خائفة، وبدا هو أمام نظرتها الصافية الشاردة مغفّلاً أكثر منه وحشا. كانت تكتب وهي متكئة على ذراعها. سألها هرقل: ماذا تفعلين. أنا؟ قالت المرأة ودوّنت فكرة، ثم قالت: أنا أفكر. أجابها هرقل: أنت تفكرين؟ إذن أنا أنصرف. مؤلّف هذه القصة القصيرة جدا هو الشاعر بول فاليري. تعليم المرأة إذن هو الطريقة الوحيدة التي تمنحها قوة الدفاع عن النفس ضدّ شرور الزمان، ومنها القوّة القاهرة للرجل الوحش، الخنزير. حتى النقص نفسه قد يكون له حالته المثالية أو شبه المثالية، وتتمثّل هذه بالاعتداء المخزي والمشين الذي يقوم به الرجل على المرأة. هنالك مئة وسيلة لإيذاء بنت حوّاء، والحجة دائما واحدة، لأنها ضعيفة العضلات إذا وقفتْ ساكنة بجوار الرجل. لكن زمان القوّة البهيميّة لدى الإنسان ولّى دون رجعة، وصارت الأنثى تحكم البلاد والعباد، وتفوق في كلّ ما يخصّ النّباهة والذّكاء وقوّة العزيمة الرجل الذي يغترّ بذكوريّته، ويرى المرأة مجرّد أنثى سليلة الأمّ حوّاء. ولأجل الدفاع عن النساء من ظلم الرجال، تأسّست في دول الغرب جمعيّات تدافع عن المرأة، مثل تجمّع “تخلّصي من خنزيركِ” وتجمّع “مي تو” (أنا أيضا)، وقامت شركات محاماة ودوائرُ سياسية ومحطات إعلامية إلى جانب النساء اللاتي يتعرّضن للاعتداء والتحرّش والاغتصاب، وبأثر رجعيّ. أي أن الحادث الذي جرى قبل عشرين أو ثلاثين عاما، يمكننا فتح التحقيق عن تفاصيله الآن. إن خنازير الماضي تجري محاسبتهم اليوم، ولا يفلت أحدٌ من العقاب. هذا ما يجري في العالم المتحضّر، أما في بلداننا، فإن النساء المُخَنْزَرات -أي اللاتي اعتدى عليهنّ خنازير البشر- فهنّ يشربن دموعهنّ ويدخلن القفص، ويجري لهنّ في الداخل ما يجري من سوء المعاملة والتعذيب وحتى القتل، ولا من نصير أو معين أو حامٍ.
نقرأ في الكتاب المقدس: نشيد الإنشاد (10:6): «مّنْ هي المشرفة مثل الصباح، جميلة كالقمر، طاهرة كالشمس، مرهبة كجيش بألوية». إن الرب يهدد البشر الضالّ بالمرأة الحسناء الطاهرة، ويحارب به الخطيئة مثلما ينزل في الميدان جيشٌ بألويةٍ.