اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: ثقافة الخوف

العمود الثامن: ثقافة الخوف

نشر في: 9 نوفمبر, 2022: 12:17 ص

 علي حسين

بدأت مثل كثيرين غيري، قراءة روجيه غارودي في نهاية السبعينيات، ليس فقط كتبه في شرح الماركسية ونقده العنيف لبعض حراسها المتجهمين، وإنما دراساته في مجال الأدب، وكان يسعدني في ذلك الوقت أن أجد كتاباً جديداً له.. وفي مرات عديدة كنت أعيد قراءة روايته الوحيدة "مَن أكون في اعتقادكم". غارودي المتعدد الثقافات كان بالنسبة لي مثل السحرة الذين قرأت عنهم في ألف ليلة وليلة، مرة أراه كاتباً ساخراً، وفجأة يتحول إلى فيلسوف، لا يقبل أفكار المعلمين الكبار، بل يحاول نقضها.

عندما توفي عام 2013 في ريف باريس عن 98 عاماً، كان قد عاش قرناً من التحولات السياسية والفكرية، باعتباره من الأساتذة المرموقين للفلسفة في العالم، وظل يقول دائماً: إن الأثر الفلسفي سيظل مرجعية فكرية، فيما تتحول الأعمال الأدبية إلى مجرد قصص للتسلية.. اليوم لا أحد يعود إلى كلاسيكيات غارودي الفلسفية، بينما روايته الوحيدة تعود إلى الواجهة.. ففي خبر بثته وكالات الأنباء، أكدت دار غاليمار الفرنسية أن رواية الفيلسوف الوحيدة حققت مبيعات جعلتها في صدارة الكتب الأكثر مبيعاً لهذا العام، لماذا..؟ لا يُجيبنا الناشر.. لكننا حتماً نتذكر نبوءة سارتر عندما كتب يوما "إن كلمات الفيلسوف يزول مفعولها عندما لا يعود لها غرض، في حين أن كلمات الأديب أشياء طبيعية تنمو كما تنمو الأشجار والعشب".

أتذكر أنني أعدت قراءة رواية غارودي أكثر من مرة.. أحياناً أراجع فصولاً فيها وأحايين أخرى أقتبس منها أشياءً وأشياء، وقد وقعت في سحرها وما أزال أعتبرها واحدة من كتبي المفضلة.. وفي كل مرة أجد نفسي إزاء حكاية عن جيل يريد أن يجد له مكاناً تحت شمس البلاد.. في تقديمه للرواية يقول غارودي: "إن بطلي الرئيسي ينتمي إلى جيل يبهرني.. الجيل الذي يعاني أحلام جيفارا، وقلق الحكام المتسلطين".

يعيش بطل غارودي مع رفاقه لحظات مطاردة شرسة من قبل أفراد في الشرطة، الذين يريدون منهم أن يتخلوا عن أفكارهم، ويقول لرفاقه مشجعاً: "إن أخطر الأعداء هو الخوف، والأمر الجوهري هو ألا ننتظر المنقذ.. إن البشر لا يموتون حقاً إلا إذا فقدوا مبرراتهم في الحياة، وهذا وحده ما يجعلني أعيش بعد".

في واحدة من أجمل حواراته يحاول غارودي من خلال أبطاله أن يعلمنا معنى أن يتربى الظلم والطغيان والخوف في أحضاننا "في هذا العصر أرى أن الظلم قد توزع على الجميع.. ولا دواء للخوف إلا بإعلاء شأن الحق ومحاربة الجور الأبدي، وأن نخلق السعادة بغية الاحتجاج على عالم تسوده التعاسة".

في مدن الخوف يصر الساسة والمسؤولون على أن تعيش الناس مع ساسة يحوِّلون الحق إلى ضلالة والحياة إلى جحيم يكتوي بناره معظم العراقيين، كم مثير للاشمئزاز أن الساسة الذين كانوا يطالبون بالحرية نراهم اليوم يمارسون الخداع والاستبداد نفسه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. سعد جنديل

    الخوف سلعة تجارية تباع في اسواق الانظمة الطاغية.

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

تعديل قانون الأحوال الشخصية دعوة لمغادرة الهوية الوطنية

ضجة التّماثيل.. كَوديا بعد المنصور!

العمودالثامن: نائب ونائم !!

لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ (إصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة)

العمودالثامن: إضحك مع الدولة العميقة

العمودالثامن: النائب الذي يريد أن ينقذنا من الضلال

 علي حسين ليس من حق المواطن العراقي أن يعترض على تعديل قانون الأحوال الشخصية ، ولا يملك أن يشكو من تحول مجلس النواب إلى قاعة للمناكفات السياسية ، ولا يملك أن ينتقد أوجه...
علي حسين

باليت المدى: عندَ اكتمال القمر

 ستار كاووش قيمة السفر تُكمِنُ في مشاهدة أشياء وتفاصيل وأماكن مختلفة، جديدة، نادرة أو ممتعة. أما إذا إجتمعت كل هذه التفاصيل في مكان واحد مثلَ بارك (ديلا ديساتيل) في مدينة ليل، فهنا عليَّ...
ستار كاووش

قناطر: أين نحن من نخيلنا الذي سرقه العالم

طالب عبد العزيز ملء الشاشة تظهر صورة رجل أنيق، بثياب أهل الخليج الصيفية متحدثاً بمعلومات قيمة عن أحوال مزرعته المزدحمة بالنخل والفاكهة، وتظهر في الصورة نخلة من أحد الاصناف المعروفة لدينا، وقد ثقلت بعذوقها...
طالب عبد العزيز

العراقيون يفقدون الثقة في الديمقراطية

د. سامان شالي إن مسألة ما إذا كان العراقيون قد فقدوا الثقة في الديمقراطية أمر معقد ومتعدد الأوجه. لقد كانت رحلة العراق نحو الديمقراطية مضطربة، وتميزت بتحديات وانتكاسات كبيرة. يستكشف هذا المقال الوضع الحالي...
د. سامان شالي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram