عبدالمنعم الأعسم
بين وقت وآخر يعلن نواب (كلٌ من موقعه الفئوي) الحرب المقدسة على دول وكيانات واطراف اخرى، وتنخرط في هذه الكوميديا نائبات كنّ يرسلن صواريخ فاشوشية باتجاهات مختلفة،
وشاء هذا التجييش ان يشمل جميع الدول المجاورة للعراق، وبعض نيران المدافع طالت الولايات المتحدة ودول الناتو واقليم كردستان ومناطق غربي العراق وأحياء في قلب العاصمة بغداد، وتخصصت نائبة مزمنة بتحريض (دوري) لشن الحرب على الكويت، ودعا احد النواب الى الدخول في حرب اوكرانيا لـ”تأديب” رئيسها “الماسوني” فيما ذهب نائب، كان ضابطا في قادسية صدام الى الدعوة لتأسيس فوج عسكري مهمته خوض حروب خارجية ضد “اعداء العراق” وقالت نائبة ان شعب تونس يناشدنا لانقاذ بلادهم من حكم الرئيس سعيد.
ويختار هؤلاء النواب، احيانا، مناسبات تاريخية، او دينية، لدق طبول الحرب كأننا انتخبناهم، لا للرقابة وتشريع القوانين ومراقبة إداء الحكومة (وهي واجباتهم الدستورية) بل لارسال البلاد، المنهكة من الحروب والصراعات واعمال الارهاب، الى حروب جديدة، كلما نشأت ازمة مع دولة من الدول، بدل تشجيع الحل السلمي للازمة عبر التفاوض مع الدول المعنية. اما الحكومات فانها لم تحارب، ولم تفاوض، تاركة مهمة الحرب لنواب ارتدوا بدلات سيرك للقتال، ومهمة التفاوض لموظفين في سفارات البلاد يتقنون كل شيء باستثناء التفاوض.
على اية حال، يمكن ان نبتلع هذه المهزلة في حالة واحدة هي ان نعتبر هذا البرلمان برلمان حرب، وليس في هذا الامر غرابة او سابقة في التاريخ العراقي، فقبل خمسة الاف سنة، كما يذكر عالم السومريات صموئيل كرومر، التأم اول برلمان في التاريخ على ارض العراق القديم وقد كان هدفه اعلان الحرب طبقا لمشيئة الملك حمورابي، إلا أن الآثاريين كشفوا عن شريعة سبقت شريعة حمورابي في الزمن باكثر من مائة وخمسين سنة، وهي على هيئة قوانين بصدد تنظيم حروب الاجلاء والاستئصال أصدرها الملك (لبت ـ عشتار) الذي اعتبر اول مشرع لقوانين الحرب بوصفها فروسية، او معبرا الى التفوق.
ومنذ ان استدل المشرعون الاوائل الى “اختراع” تجربة البرلمان، كميدان لتبادل الرأي والمشورة وخبرة الحرب، فقد كان في بالهم إشراك الجمهور في ادارة الحكم، وكان هذا المعنى الاصلاحي المجرد قد دخل في اساس اول برلمان في العصر الحديث انشئ في جمهورية ايسلندة التي لم تكن لتفكر بالحرب مع احد، بل ولم تكن لتملك جيشا آنذاك، فيما نوابنا الذين يغيرون على الدول بالراجمات الاستفزازية يجهلون لعبة الحرب وقوانين التعبئة في عصر صار للحرب معنى الجنون، واعتقد ان لهذا السبب تتجاهل الدول المعنية تهديداتهم وتتعامل معها كتمارين على الخطابة الجوفاء.. احدهم دعا الحكومة الى تزويد الجيش بمعدات ستراتيجية (ربما يقصد ذرية) وتسليح العاطلين عن العمل والفلاحين والمتقاعدين (باعتبارهم فائضين عن الحاجة كما يريد) لخوض الحروب خارج الحدود، قـُدما حتى تحرير الاندلس.. تصوروا.
استدراك:
«في اواخر تشرين الاول من عام 1779 حدثت مشاجرة بين شخصين قرب مقبرة الشيخ عمر، فلما سمع اهل الميدان بها اتخذوها ذريعة لاعلان “الحرب” على حكومة (الوالي) حسن باشا”
علي الوردي- لمحات- الجزء الأول