عبدالمنعم الأعسم
اذا قبلنا بالذريعة الايرانية الرسمية بان جماعة من معارضي الحكم الذين يتخذون من قرى في اقليم كردستان مقرات لهم يهددون امنها الوطني، ويجب ملاحقتهم بالصواريخ والمسيرات عابرة الحدود، فان ثمة مشكلتان معقدتان تعترضان هذه العقيدة، الاولى،
ان الامن الوطني الايراني هش ومتداعٍ الى الحد الذي يتصدع بسبب نشاطٍ محدودٍ من جغرافيا نائية، وهي رسالة كان على مخططي هذه العقيدة ان يفكروا مليّاً في نتائجها السلبية، المدمرة، المعنوية والعسكرية، اخذا بالاعتبار ان ايران، وطوال اربعة عقود من عمر الثورة، لم تشهد استقرارا أمنيا، وان حكمها لم يتصالح مع معارضيه الذين ينتسبون الى مكونات وقوميات وشرائح مختلفة، ابرزها، واكثرها امتداداً في التاريخ، عرب الاحواز، والكورد، والجماعات المدنية.
اما العقدة الثانية التي طرحت نفسها في سياق التبرير الايراني لقصف مدن عراقية فيمكن قراءتها في معنى إعطاء حكومة ايران لنفسها حق تجاوز حدود وسيادة دولة مجاورة مسالمة ومُصنّفة كصديقة لها، والقيام بنشاط عسكري عقابي على ارضها، ما يدخل في عِداد المحرمات الواردة في الاتفاقيات والعهود الدولية، وهي مدونة في ميثاق الامم المتحدة كاعتداءات ينبغي منعها وادانتها، عدا عن ان مثل هذه النشاطات تخلّ بشروط عضوية الدول في المنظمة الدولية الامر الذي وقعت عليه ايران وتعهدت بالتزامه، وقد يضعها تحت طائلة عقوبات، فوق العقوبات التي تعانيها لجهة ملفات أخرى، من تداعيات البرنامج النووي.
بوجيز الكلام، ان الذريعة الايرانية هذه قد تنقلب على عقبيها حيث تستخدمها الدول المجاورة (وحتى البعيدة) التي تشكو (دائما) من تدخلات ايرانية في شؤونها، او ان ايران تحتضن جماعات معارضة وناشطة تهدد امنها الداخلي، وينبغي لنا ان نضع في مكونات هذه العقيدة وجود بؤر توتر وحروب اقليمية في سوريا ولبنان واليمن، يشار، وعلى نطاق واسع، الى دور ايراني فيها، مما اسفر عن نتائج كارثية لحقت مصالح شعب ايران وأمنه، وانعكست في انشقاق سياسي داخلي مضطرد عبر عن نفسه في حركة احتجاجات وسلسلة مواجهات دموية.
ولعل اثقل الكُلف التي تترتب على هذه العقيدة الامنية «التوسعية» هي محاصرة ايران اقليميا ودوليا بوصفها دولة «مارقة» لزوم معاقبتها، في حين تؤدي هذه النشاطات العسكرية العدوانية على الاراضي العراقية الى التفريط بالعلاقة السلمية والتاريخية بين البلدين، والاكثر (اولا) الى تراجع نفوذ الحكم الايراني وسمعته بين الاوساط العراقية و(ثانيا) الى إحراج حكومة العراق الجديدة التي تحسبها التصنيفات السياسية كحكومة مقربة من طهران ومنبثقة عن كتلة موالية لمركز السلطة الايرانية.
والحال، فان الحكمة توجب اعادة النظر في هذه العقيدة الامنية باهضة التكاليف من جانب حكومة ايران.. وتـَفترض، بالمقابل، ان يكون هناك موقف عراقي بمستوى الغيرة على السيادة من قبل حكومة العراق.
على ان الحكمة والافتراض (هنا) من جنس واحد.. الخيبة.
استدراك:
«خاضت قرطاجة العظيمة ثلاثة حروب.. بعد الأولى كانت قوية، وبعد الثانية كانت لا تزال آهلة، وبعد الثالثة لم يعد لها وجود».
بريخت