ثائر صالح
2 من 2
نعود إلى كتابي التسابيح اللذان شكلا منطلق كتاب الباحثة عراقية الأصل ميراف روزنفلد - حداد، بالعبرية سفر ها - شيريم (كتاب الأغاني أو التراتيل). أعد طبعة 1906 الربي عزرا رؤبين دنـكور (1848 - 1930)،
وهو من الشخصيات اليهودية البغدادية المهمة، ولد في بغداد ودرس عند الربي عبدالله سوميخ. أسس مطبعة في بغداد سنة 1904 طبع فيها هذا الكتاب وكتب عربية وعبرية أخرى. أما ناشر طبعة 1954 فهو صالح بن يعقوب منصور (1895 بغداد - 1987 القدس) الذي هاجر إلى فلسطين في 1927 وأصبح ناشراً ناجحاً هناك.
الأنغام المستعملة لأداء التراتيل المدونة في المجموعتين هي نفس المقامات العربية عموما، والكثير من المقامات العراقية المعروفة (مع بعض الاختلاف الطفيف بين نسختي 1906 و 1954): نوى، رست، صبا، أوج ومخالف، زنجران، بهيرزاوي، خنبات الخ. وهذه هي اللغة الموسيقية العراقية الخالصة ذاتها.
وإذا أخذنا في عين الاعتبار الدور الرائد للموسيقيين اليهود في العراق حتى التهجير والهجرة الجماعية منتصف القرن العشرين، بالخصوص دور الأخوين صالح الكويتي (الكويت 1908 - رامات كان 1986) وداود الكويتي (الكويت 1910 - رامات كان 1976)، ومدير قسم الموسيقى رئيس الفرقة الموسيقية في اذاعة بغداد عازف القانون يوسف زعرور (بغداد 1902 - رامات كان 1969) وعشرات غيرهم، لا نستبعد أن تكون ألحان بعض التراتيل المذكورة في المجموعتين قد ألفها موسيقيون يهود. على العموم تستنتج الباحثة روزنفلد - حداد أن معظم هذه الألحان إن لم يكن جميعها أغاني عربية في الأصل. الجوهر في الأمر التقاليد الموسيقية المشتركة بالنسبة للجميع، من مسلمين ويهود ومسيحيين، جميعهم يستعملون هذه الموسيقى بشكل طبيعي لأنها جزءاً منهم وهم جزء من هذه الثقافة الموسيقية المشتركة.
ما الذي حدث في إسرائيل بعد الهجرة أوائل خمسينات القرن العشرين هو محاولة طمس هذا التراث الثمين لاعتبارات سياسية تتعلق بالصراع العربي - الاسرائيلي، بسبب ارتباطه بالعرب عموماً. لكن هذا الأمر تغير منذ الثمانينات، فقد تعاظم الاهتمام بهذه التقاليد وأخذ تقديم التراتيل يتزايد وتعدى الجانب الروحاني الديني إلى الجانب الدنيوي. ولا ينطبق الأمر على حملة هذا التراث المتحدرين من اصول عراقية أو سورية أو يمينة أو مغربية أو شرقية (سفاردية) فحسب، بل انتشر بين ذوي الأصول الأشكنازية كذلك.
ونجد اليوم عدداً كبيراً من المرتلين الدينيين والفنانين الذين يقدمون الأعمال الدينية والدنيوية بروح المقام العراقي. نبرز منهم المرتّل (حازان) موشيه حبوشا (1961)، حفيد المرتّل بغدادي الولادة الحاخام كرجي يائير (بغداد 1910 - اسرائيل 1999) الذي علمه أصول الغناء، ثم تأثر بالغناء الحلبي والمصري. درس حبوشا كذلك على يد شلومو رؤبين معلم (بغداد 1905 - اسرائيل 1989). وحبوشا هو أحد أهم حفظة التراث اليهودي البغدادي، رغم خدمته في كنيس لليهود السوريين في نيويورك منذ عقود. نبرز كذلك حسقيل تسيون مرتّل بيث توراة بروكلين في نيويورك، وهو من اصول عراقية (لقبه الأصلي سونا، أمه من عائلة شهرباني). أما الجانب الدنيوي فخير من يمثله اليوم الموسيقي متعدد الاهتمامات عازف الكمان يائير دلال، إلى جانب عازف القانون دافيد رجف زعرور وفرقته "لا فلفوله" التي تقدم المقام العراقي والبستات البغدادية بالطريقة التقليدية، وهو ابن حفيد يوسف زعرور الكبير. ولابد من ذكر داوود تاسا حفيد داود الكويتي من جهة امه، وفرقته المسماة "الكويتيون"، وهو مغني بوب شهير في إسرائيل يقدم ما أبدعه الاخوان صالح وداود لكن بأسلوب البوب الحديث أو الجاز.