إياد الصالحي
يحتار المرء أحياناً في تفسير ما يحصل لاتحاد لعبة أكمل 74 عاماً من عُمر تأسيسه في 8 تشرين الأول الماضي، ولم يزل يتعثّر في مسيره ويُصرّ قادته على تعلّم مبادىء العمل الإداري أملاً بالاستفادة من أخطاء الدروس المتوالية وليتها تتوقّف بمزيدٍ من الحذر والحرص والخبرة عبر الاستعانة بذوي التخصّصات التي تؤهّلهم لحسم أصعب القضايا من دون أن يتورّط رئيس الاتحاد أو عضو ما في مسألة ماليّة أو إداريّة تُلقي به وراء قضبان العدالة.
ما حصل لاتحاد كرة القدم من مأزق تسليمه مبلغ 250 الف دولار من قيمة المبلغ الكلي 500 الف دولار لمتعهّد مباراة نظير موافقة الاتحاد الكوستاريكي على مشاركة منتخب بلاده الأول في مباراة ودّية في ملعب البصرة الدولي، ومن ثم تنصُّل الأخير عن تنفيذ التزامه ورفضه الحضور الى البصرة، وتوجُّههِ في اليوم التالي الى العاصمة القطرية الدوحة استعداداً لملاقاة فرق مجموعته الخامسة، جعل الاتحاد المحلي موضع تُهمة بتبديد مالٍ عام في اتفاقيّة مع طرف أجنبي لم تُحكَمْ ضوابط الحقوق فيها بالصورة التي تؤمِّن إعادة المبلغ فيما بعد إلى خزينة الدولة أو تسويتها حسب الأصول.
هذا ما أدرك حرجه رئيس الاتحاد عدنان درجال وطار الى الكويت محاولة منه لثني الوفد الكوستاريكي عن قراره عشيّة تغيير وجهته صوب الدوحة، وكذلك لجوئهِ لتقديم شكواه الى الاتحاد الدولي في اليوم نفسه ضماناً للوقت الذي سرق تأخّرنا عنه خسارة قضايا كثيرة تبرز في مقدّمتها أزمة العراق وقطر في مكاشفة الفيفا عن سجّل الشباب للاعب البرازيلي إيمرسون المُجنّس في المنتخب القطري إبان تصفيات مونديال جنوب أفريقيا عام 2010 في زمن رئيس الاتحاد الأسبق حسين سعيد!
لم تتّضح خيوط الأزمة الجديدة التي أستأنس لها إعلام (الطبلة والمزمار) ولم يُسجِّل موقفاً واحداً يُبيّن فيه مهنيّة نقده المُنضبِط موضوعيّاً، وحُججهِ المُدعمة بالرؤية القانونيّة التي تأخذ بالحسبان المصلحة العامة والغاية من تقويم عمل المسؤول، والخوف على سُمعة البلد حتى لو كان الشخص المُكلّف بالواجب لا يأبه لذلك.
انتبهوا .. الإعلام مدرسة وثقافة ورسالة إنسانية تهتمّ بالمواطن والمسؤول دون تفرقة للون أحدهما أو عِرقه وسلوكه، وتحترم المتلقّي مُشاهداً كان أم مستمِعاً، وليس أداة للجلد والشتيمة والتقريع والمُحاكمة، ومن يتصوّره هكذا فوجوده وراء طاولة الاستوديو لا يَفْرُق عن أي مُشجّع بسيط تأخذهُ الحماسة خلف سياج المدرجات ليزعُق بوجه الكاميرا مُردِّداً عبارات غاضبة لا تقيم وزناً للمشاهدين ولا لصفة العمل النقابي الذي يحمل بطاقة الانتماء اليه!
أزمة كوستاريكا فضحت هشاشة الموقف القانوني لاتحاد كرة القدم، بدليل خروج أكثر من خبير في قوانين الرياضة أدلوا بآراء متوازِنة حول عدم صواب الإجراءات التي قام بها الاتحاد في إبرام عقده مع متعهّد المباراة دون أي طرف من الاتحاد الكوستاريكي، وأيضاً ما أثاره تصريح مسؤولة الاتصال في الاتحاد الكوستاريكي جينا إسكوبار بأن (إلغاء المباراة يعود إلى إصرار السُلطات العراقية على ختم جوازات الوفد) وما تسرّب إلى الإعلام بوجود موافقة مُسبقة من الاتحاد المحلي على رغبة الوفد الزائر بإبقاء جوازاته بعيدة عن أيّة إشارة رسميّة تؤكّد دخوله المنفذ الحدودي العراقي!
ما الذي يُجبر الاتحاد العراقي على القبول بشرط الاتحاد الكوستاريكي مثلما لفتت إسكوبار اهتمام المتابعين نحوه والذي يُثير حفيظة أي مواطن يعتزّ بسيادة بلده ويرفض أن يتعامل معه القريب قبل الغريب بتعالٍ ودهاء، ويتّخذ من حدوده معبراً عاديّاً يمرُّ منه بورقة وقتيّة من دون تمحيص أمني وختم رسمي وتوثيق مستقبلي؟!
يقيناً لن يستقر العمل الإداري في اتحاد كرة القدم من دون إحداث أنقلاب في منظومته بالتعاقد مع خيرة الخبراء الأجانب الذين سبقتنا اتحادات الكرة في دول عربية متطوّرة للتعاقد معهم وأوصلوها الى قِمم بطولات قاريّة ودوليّة، ليَعْمَلوا في العاصمة بغداد مع لجان الاتحاد، ويُدرّبوا عناصر شابّة يتم اختيارهم من خريجي كليات التربية البدنيّة وعلوم الرياضة، تُصقل إمكانيّاتهم حتى يقوموا بدورهم لاحقاً بتدريب الأجيال القادمة وفقاً لما تعلّموهُ، فما العيب في ذلك؟
ألا ينتابكم الخجل من تربّص بعضكم للاطاحة بشخصٍ لا يروق لكم، وهل أن سحب الثقة عنه يُنهي أخطاء الاتحاد المتوارثة؟ كلا، تعكّزكم كل مرّة على اسماء بعينها أكثر من رهانكم على مؤهّلاتها العمليّة يُبقي اللعبة في خِصام دائم مع أهلها ولا أمل للمصالحة إلا بتغيير قواعد العمل ونزع أقنعة المُكابرة!