طالب عبد العزيز
تعال أيها الغريب الى البلد الغريب العجيب، تعال الينا، نحن الخالدين في كتب التواريخ المعلقين في الخديعة كما الشماريخ، المرهونة أبدانهم في الاضرحة والمزارات، المنتظرين معجزة تأتي، بعد انقضاء عهد المعجزات، المخلوقين أبداً لطمس الحقائق،
وأصحاب القدرة على تفنيد البراهين، وإرضاء الحاكم والمحكوم، بين أيدينا الأسباب والحجج، لكل باحث عن الخيبة، نحن دكانة بقالة اليائسين، نبيع الوهم والعجز خالصَين لأصحاب البطولة والرجولة، عندنا من القلق ما يجعل القلوب ترتعد، غرف لتعليب الضوء، ومثلها لطي الأجفان، وشلِّ الأبدي، في دكانتنا هذه تجدون انواع الذكريات، تخلى عنها أصحابُها، فالأرففُ مليئة بعلب الضجر والقنوط، نحن لا نشتري الزهد ولا التعفف، هذه بضاعة العاطلين عن الكرامة، نحن نشتري الذُّلَّ والمهانة حسب، وما يعنينا هو اذلالكم، فتعالوا، كلُّ رجال المرحلة من الداخلين على الخيول الحديد، والخارجين العائدين الطالعين من المصاحف والأناشيد، من الباكين على الماضي العفن، او المتماهين مع الحاضر الوسخ النتن، جاهزون، يلبّون طلباتكم، لدينا خدمة توصيل التفاهة ايضا.
على بوابة الرئيس والوليّ والوصيّ والوالي والمولى والحاكم بأمر نفسه والقائد والزعيم، الشفيع منهم والوضيع يقف الشعراء والكتبة والصحفيون الانذال منهم والانذال، الذين لا يفرقون بين المقالة والموّال، حيث اليدُ السخية وحدها معيارٌ لا تُنقصه كلمةٌ ناقصة، وعبارة عابرة، وخزرة ناظرة، فكيس النقود قمين بإذابة ثلج الحياء، وإماطة اللثام عن عورة الاشياء والاشياء، إذ الكل امام الكل سواء، الأعرج وكريم العين وصاحب الأذن الطرشاء، الواقف على يقين نفسه، والذي تزحزح بالقدرة والهواء..
أما البلاد فلا بلاد، فهي مفتوحة من كل الجهات، يدخلها الاراذل والبداة والرواة والدُّناة والزناة، وكل ما هو آت آت، لأنَّ اسلحتنا لا تصل الحدود، فهي محكومة بداء الوجود على الاوجود، وتقيدنا بفائضلها الفضائحُ والقيود، فنحن منذ نصف قرن نبادل الأسلاب بالجنود، والطلقاء بالآباء والجدود، نهب من مالنا لهذا وذاك ما يريد، وحكامنا لا يستنهظون فينا إلا الجليد، والجليد منذ آدم هو الجليد.. هكذا نحن كما ترى أيها الغريب، لا تعجبنا الاعاجيب ولا نخجل من قول فاجر مريب، مازلنا نبحث في قوائم الموتى عن بطل، وقد انقضى زمن الابطال، ولا يحفل بذكرهم سوى الحمير والبغال.
في الاسواق، شزراً ينظر بعضُنا الى بعضنا، فنحن جاهزون لقتال من بلفتة أغاضنا، مسدساتنا مسموعة ومملوءة، وصحفنا مكتوبة ومرفوعة، لا نعرف الاوَّلَ في القتل من الاوّلى، إذ كلنا بإذلال بعضنا وإنْ لم نبل نبلى، لكننا، أمام مكاتب الاحزاب، برجالها، السافرين منهم وبالنقاب، تختلف الطريق بنا وتتلعثم الخطى، فنمشي مشي الخيزلى والهيدبى، نبيع هذا وذاك ما ابتغى أو طلب، مسلحين بالكذب، والنفاجة والرياء، نبيع الحياء ساعة لا يسترنا رداءُ الحياء، وإذ تنسرح عن أكتافنا عباءة الشهامة، وتندغم على ألسنتنا مداليل الكرامة والندامة، يصيح بنا صائح، لا نعرف ما يريد، فنلبّي صيحته، ونملأ بالخيل والليل والأطفال الجاهلين فسحته، لا يعنينا الظالم من المظلوم، ولا الشاتم ولا المشتوم، فالكل في لعلعة الرصاص أهلٌ وصحبٌ وخصوم، نريد لبنادقنا قتلى كثيرين وأكثر، ولألسنتنا ما انفرط من القول وتعثر، فهذا يوم التلاق، يوم القائمين على الجهالة والنفاق، وليذهب العراق الى العراق.