طالب عبد العزيز
ما أن ابتدأ موسم الامطار وأترعت الارضُ بالماء السماوي، حتى أهملت الحكومة كل حديث عن محطات التحلية البحرية والسدود، مع الشُّح المريع في الموارد المائية، والذي بسببه تم تقليص المساحات الزراعية للموسم الشتوي، الامر الذي يستدعي تحريك عجلة التفكير بإيجاد الحلول النهائية، لما يعاني منه العراق من جفاف وتراجع في مستوى انتاجه الزراعي وفقدانه لثروته الحيوانية، فضلاً عن المشاكل التي نتجت عن ذلك.
إذا كانت مدن الشمال والوسط وبعض مدن الجنوب قد عانت من تراجع في قطاع الزراعة بسبب من عوز في الماء، وعوّضت ذلك بحفر الآبار الارتوازية، بما هيأ لها فرصة الاستمرار والديمومة، فأن المشكلة في البصرة تتجاوز حدود تأثير ذلك على واقعها الزراعي الى ما هو انساني وحضاري، فأيّ معنى للمدينة والتحضر فيها إذا كان المواطن الساكن مركز المدينة ينهض في الصباح ليغسل وجهه بالماء المالح، متذمراً، كافراً بكل ما هو قائم ومتحقق، في البلاد التي ينخر جسدها الفسادُ، ويُمالئُ الحاكمُ الضعيفُ فيها اللصوصَ والقتلةَ، ويتحكم في منهاجها الفاشلُ والخائنُ وزعيمُ الحزب السياسي الذي يدافع عن ثلثه العراقي، فيما ثلثاه بأمان وطمانينة خارج الحدود.
كانت حكومة البصرة قد قطعت شوطا مهماً في طريق التعاقد مع الشركة الصينية لبناء محطة التحلية الموعودة، والتي ستؤمن حاجة المدينة من الماء العذب والطاقة بحسب ما جاء في أكثر من حديث لمحافظها، لكنها اصطدمت بعقبة رفض رئيس حكومة تصريف الاعمال(الكاظمي) المضغوط عليه عالمياً، لصالح شركة بريطانية، عرفت بالتلكؤ والرداءة والكلف العالية. ومثل حديثنا عن محطة التحلية يقودنا الحديث الى الخوض في مشروع السد على شط العرب، لمنع دخول اللسان الملحي، الذي مازال جاثماً على ضفتي الشط حتى الساعة هذه، على الرغم من الامطار والسيول، فقد ذهبت أمال البصريين بالخطط والمشاريع التي تحدثت عنها الحكومة مع الشركة الايطالية والهولندية وغيرها، ولم يجر فعل من الافعال بهذا الشأن.
يبدو أنَّ محافظ البصرة المهووس بالطرق والجسور والملاعب الرياضية وبحماسته المعروفة في هذه قد وصل الى الطرق المغلقة، الخاصة بمشاريع المياه، ووجد في عقبة الكاظمي ما يعيده الى المربع الاول، والقول بأنَّ قضية السد على شط العرب والبحث عن حلول ومشاريع المياه وتحليتها أكبر من قدراتي وقد وصلت الى طرقٍ مغلقةً، وكأن لا سبيل الى مراجعتها من جديد مع رئيس الوزراء السوداني والحكومة الحالية، هكذا، إذ لم نعد نسمعه في حديث عن هذه المصيبة، اللهم إلا بحديث الخليجي 25، الذي لن ينتشل المدينة من خرابها قطعاً، ولن يحقق حلمنا بمنافسة الدول الخليجية، فها هي جواميس السادة المعدان تسرح وتمرح حوالي ملعب النخلة، وها هو المواطن البصري يعاني من مشكلة في النفايات، ومن الرائحة الكريهة المنبعثة من انهار المدينة الثلاثة(الخندق والعشار والخورة).
أما السادة النواب البصريون فهم أصنام صامتون في معابد أحزابهم خاشعون، لا ينطقون بشيء إلا ما تيسر لسادتهم بالسماح لهم بالخوض فيه، فلا لوبي ضغط، ولا حس ولا خبر. لا نريد القاء اللائمة على السيد وزير الموارد المائية، فهو الوحيد الذي يعرف البئر وغطاه، إلا اننا نطالبه بموقف حاسم من ذلك، وعليه تقع عواقب القضية المستعصية، وهذه فرصته لكي يكون بطلاً قومياً، ومطلوب منه أنْ يقول كلمة الفصل قبل انقضاء موسم الامطار، ومجيئ الصيف الذي سيكون اقسى على البصريين من سابقه بكل تاكيد.