علي حسين
ما معنى أن يصدر قرار المدعي العام الإيراني بإلغاء شرطة الأخلاق، بعد 15 عاماً على تأسيسها، وبعد تحرّكات احتجاجية اندلعت منذ وفاة الشابة مهسا أميني ؟، يعني أن الشعوب بإمكانها أن تفرض شروطها على الحكام، رغم قسوة المواجهات وعنف الأجهزة الأمنية.
منذ أن اعترف المرحوم أفلاطون بأنّ العدالة هي حكم الأكثر كفاءة، والناس يبحثون عن أصحاب الكفاءات الذين يملأون الأرض منجزاً وصدقاً، وليس عن أصحاب الخطب والمواعظ واشعارات. وكما أخبرنا صاحب الجمهورية يوماً، أن الدولة وجدت لتوفير حياة مرفّهة وآمنة لمواطنيها، وأن تكون هناك حياة كريمة، يتوفر لها مواطنون شجعان. وتذكر جنابك أنّنا في بلاد الرافدين حرفنا كلمة تنمية إلى كلمة فضيلة وكنا سنصفق لو ان الفضيلة التي ينادون بها حقيقية ، ولكنها فضائل زائفة تسامح السارق والنصّاب، وتُنزل العقاب بكل من يطالب بإقامة دولة العدالة الاجتماعية، لأنه كافر ويريد تخريب المجتمع.
الجزء الأكبر من أخبار بلاد الرافدين مؤسف إن لم يكن مضحكاً، وما بين الإصرار على تشريع قانون جرائم المعلوماتية، وتاسيس شرطة اخلاق برلمانية واختفاء أصوات النواب الذين دخلوا قبة البرلمان بفضل احتجاجات تشرين، نجد النواب الذين قدموا لنا مشهداً كوميدياً عندما ذهبوا إلى البرلمان بعربة "تكتك"، يغطون هذه الايام في نوم برلماني طويل.
اندلعت الاحتجاجات في العراق من أجل أن يدخل العراقيون كسائر البشر، عصر الحياة والرفاهية، والخروج من ذلّ الخوف وفقدان الأمن والأمان.. يا أعزائي النواب الناس تريد أن تقرأ أرقام النموّ ومعدّلات التنمية، فقد ملـُّوا من مشاهد الأكفان التي رافقت تاريخ هذه البلاد المظلومة.
للأسف الديمقراطية في العراق تتحول يوماً بعد آخر من ممارسة حضارية تستند إلى القانون، ووسيلة لخدمة الناس إلى حروب ومعارك من اجل المنافع والمناصب.
في خضم الحماسة البرلمانية لقانون جرائم المعلوماتية ينسى البعض أن التصدي للسياسة يعني أن تكون قادراً على صنع موقف والدفاع عنه، يعني أن تؤمن بأنه قد تأتيك ثقة الناس في لحظة لكي تقوم بدور حقيقي .
توضع القوانين لا شرطة الأمر بالمعروف او الاخلاق من أجل حماية حقوق الناس، وتصبح مرجعاً نهائياً لنزاعاتهم وخلافاتهم، وبالقانون لا بالنهي عن المنكر يبنى الاستقرار والتنمية وتنشأ الدول.
أليس من المؤلم أن يكون قدرالشعوب موكلا لمثل هذه الأفكار والنظريات؟ واسيرا لثقافة ترى في نفسها أنها ظل الله على الأرض، ثقافة لا تخفي حنينها لحملة القائد الضرورة الإيمانية؟، نحن نفقد البصر والبصيرة حين نسيء استخدام العقل، ويصبح الجهل شعار المرحلة.
ياسادة عندما يدمّر السياسي، مؤسسات الدولة، بدلاً من تطويرها على أسس ديمقراطية، فهو يهين الدماء والأرواح التي قدّمها العراقيون على مدى عقود طويلة من أجل أن يتنفس أبناؤهم هواء الحرية الحقيقية .