علي حسين
ستحكي لنا الأيام أنّ مجموعة من المتلونين مرّوا على هذه البلاد، تاركاين للأجيال حكايات عن السقوط في مستنقعات الانتهازية والصراع على المنافع، وبالمقابل ستتذكر الأجيال مواطنين شجعان نجوا من طاعون الطائفيّة والتلوّن، وبضمائرهم اليقظة قدموا دروساً في حب الأوطان.
كنت أنوي أن أخصص عمود اليوم للحديث عن ذكرى صاحب الابتسامة الراحل عبد الحسين عبد الرضا الذي كان يذهل المشاهدين بطاقته على نشر البهجة، ويرغمهم على أن يضحكوا معه، إلا أن تغريدة نشرها "العلامة" حيدر البرزنجي يحرض فيها على مواطن عراقي ذنبه الوحيد أنه لم يسرق أو يحتال أو يدعي أنه يحمل لقب دكتور، هذا المواطن " حسين سعدون مذنب لانه يتحدث في الثقافة ويحاول إشاعة المعرفة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، ويشرح للشباب مفاهيم العدالة والحرية والتخلف، ويتنقل بين علي الوردي وكانط وطه حسين وهادي العلوي وسارتر، وهذه في نظر "المفكر" حيدر البرزنجي أسماء تتآمر على التجربة الديمقراطية في العراق التي حولت شخصاً مجهولاً مثل محللنا السياسي حيدر البرزنجي إلى دكتور في الوهم، وصاحب مركزا للبحوث باسم "ألوان" يمارس من خلاله كل ألوان الخداع والضحك على الناس بشعارات زائفة وتغريدات تحريضية وأحاديث عن السياسة التي يرى أنها تتطلب "شخصاً متقلباً". نظرية لم تبلغ مخيّلة مكيافيللي في محاولة اللعب على الكلمات وتزويق الانتهازية على أنها فنّ السياسة.
حكاية حسين سعدون، تذكّرني بما جرى للمفكّر الإسلامي المصري خالد محمد خالد حين قُدّم عام 1955 للمحاكمة بتهمة ازدراء الأديان بعد أن أصدر كتابه الشهير "هذا أو الطوفان" والذي أراد أن يقول فيه: الإسلام دين للتسامح والمحبّة ولا علاقة له بإنشاء الحكومات، وفي كلمات كأنها تقال هذه الأيام يكتب: "الحكومة الدينيّة لا تستلهم مبادئها وسلوكها من كتاب الله وسنّة رسوله بل من نفسيّة الحاكمين وأطماعهم ومنافعهم الذاتية، وهي تعتمد في قيامها على سلطة غامضة لا يُعرف مأتاها ولا يُعلم مداها... وحين تسأل عن دستورها، تقول الدين، هو القرآن، لقد استغلّ بعض الحكّام بعض آيات القرآن استغلالاً مغرضاً، كما استُغلّت الآيات نفسها إبّان الصراع بين الإمام علي ومعاوية والخوارج. ما كانوا يقدّمون من الآيات والأحاديث هي نفسها الآيات والأحاديث التي كان يُحرِّض بها أصحاب معاوية على قتال الامام علي ، كما قَتل الطاغية يزيد، الامام الحسين ، مبرِّراً فعلته هذه بآية وحديث استمسك بهما".
ولأنّ السيد حديدر البرزنجي وضع حرف الدال قبل اسمه، أتمنى عليه أن يذهب إلى شارع المتنبي، هناك يجلس المواطن حسين سعدون يبيع الكتب، ليشتري منه نسخة من مذكرات ديغول التي يقول فيها: لا يُخرب السياسة مثل الكذب!.
إلى أين ستذهب "نكات" حيدر البرزنجي؟ إلى صفحة في التاريخ اسمها من عجائب العراق!.