اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > إيطاليا تحتفل بذكرى رحيل فيلسوفها بينيديتو كروتشه مؤسس حركة النقد الفني والادبي الإيطالي المعاصر

إيطاليا تحتفل بذكرى رحيل فيلسوفها بينيديتو كروتشه مؤسس حركة النقد الفني والادبي الإيطالي المعاصر

نشر في: 11 ديسمبر, 2022: 11:06 م

رومـا: موسى الخميسي

تحتفل إيطاليا هذه الايام بالذكرى السبعين لوفاة الفيلسوف والمؤرخ والسياسي الإيطالي بينيديتو كروتشه الذي ولد في مدينة “بيسكسيرولي” بمقاطعة الابروتسو عام 1898

وتوفي في مدينة نابولي عام 1952.واجري احتفال كبير حضره رئيس الجمهورية وعدد كبير من المثقفين والتربويين في قاعات قصر الشيوخ الإيطالي.

كان لهذا المفكر تأثير معتبر على مثقفين إيطاليين آخرين من بينهم الماركسي أنطونيو غرامشي والفاشي جيوفاني جنتيلي. شغل كروتشه منصب رئيس نادي القلم الدولي، رابطة الكتّاب العالمية، منذ عام 1949 حتى عام 1952. ورشح لجائزة نوبل للآداب 16 مرة.

كان كروتشه الذي ينتمي لعائلة كاثوليكية اقطاعية، والذي فقد أبويه وأخته الوحيدة في زلزال حدث في جزيرة « اسكيا» الجنوبيةعام 1883 ونجا منه هو بأعجوبة، بعد أن بقي حيا تحت الأنقاض عدة ساعات حتى أنقذ وقد اعتلت صحته وتكسرت بعض عظامه، وظل معتل الصحة، ثم استرد عافيته بعد عدة سنوات وعادت اليه روحه تنبض بالحيوية. وكان منذ طفولته يحب المطالعة فيقرأ كل ما يقع تحت يديه، وكان مولعا بقراءة الروايات بشكل خاص فما ان بلغ التاسعة من عمره حتى كان قد قرأ أمهات الآثار الأدبية الإيطالية، وتولع بحب الفنون والاثار القديمة. وكانت امه تغذي فيه هذه الميول، فتصحبه الى كنائس نابولي العريقة، وتقف معه امام روائع اللوحات الفنية، وكانت عاطفته الدينية قوية مشبوبة، حتى لقد كان يتقشف ويفرض على نفسه أنواعا من الحرمان. وكان يؤنب نفسه على انه لا يحب الله محبة خالصة من الرهبة، فلقد كان شبح جهنم يرعبه كثيرا. يعد من أبرز رجال الفكر والفلاسفة الايطاليين في النصف الأول من القرن العشرين، وكانت شجاعته الأدبية، وخروجه على النظام الفاشي في إيطاليا، ودعوته لإعادة بناء الامة الإيطالية التي أصيبت بخيبة كبيرة باندحارها في الحرب، قد جعلته رمزا لروح إيطاليا الحديثة. وقد وضع كروتشه خلال حياته الحافلة ثمانين مؤلفا في الفلسفة والتاريخ والادب والفن، تعد حتى يومنا هذا من أمهات المراجع في موضوعاتها المتعددة، ومن أبرز معالم الفكر الإيطالي بل والاوربي الحديث. شغل كروتشه منصب وزير التربية مرتين وكانت ثانيتهما ضمن حكومة التحرير، وذلك فهو خلافا لصديقه الكاتب المثالي اللامع «جوفاني جنتيلي»، الذي خدم الفاشية ثم قتل على يد قوات المقاومة للنظام الفاشي، وقد ظل كروتشه وفيا لآرائه في الحرية والديمقراطية. وتعد سنة 1903 هامة في حياته، اذ ظهر له خلالها اول عدد من مجلة» نقد» وهي المجلة التي كان يكتب معظم مقالاتها بقلمه، اذ ان تلك المجلة كانت ذات تأثير كبير على الحياة الفكرية الإيطالية حيث ان اهتمامها لم يكن منصبا على الفلسفة وحدها بل كان يتعداها الى تاريخ الفن والادب ومسائل السياسة. كانت حياته عملا دؤوبا من الدراسات الفلسفية رفعت ذكره في مجالات النقد الأدبي وعلم الجمال وتاريخ الثقافة وعلم التاريخ.

ويمكن القول ان كروتشه، كان مؤرخا للفن وناقدا أكثر منه فيلسوفا الا ان ذلك لم يمنعه من اصدار كتاب شامل أسماه» فلسفة الروح»، وتضمن هذا الكتاب دراسات في علم الجمال وعلم الاخلاق الى جانب فلسفة تطبيقية وفلسفة التاريخ. وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى أشتعل كروتشه غضبا ورأى فيها نزاعا اقتصاديا يوقف تطور العقل الأوربي ونموه وان الواجب يقضي بمنعها، وأنها جنون وانتحار على الرغم من ان الضرورة دفعت بإيطاليا الى الدخول في الحرب بجانب الحلفاء. وسخّر صفحات مجلته» النقد» لإيضاح مواقفه، ولكنه انجذب بعد الحرب الى الحياة السياسية خلافا لرغبته، فعين وزيرا للمعارف، وانتخب عضوا في مجلس الشيوخ، وبذلك اجتمعت في شخصه الفلسفة والسياسة، والادب والتاريخ، وهو لم يتفرغ للسياسة كليا، بل خصص الجزء الأعظم من وقته لتحرير مجلته الاثيرة. ولما ترسخ النظام الفاشي في إيطاليا انتقل كروتشه الى صفوف المعارضة. ولم يلبث ان ابتعد عن الحياة السياسية كلها، وبقي بعيدا عنها حتى سقوط ذلك النظام. وفي العام 1944 عاد الى الميدان السياسي وقام بأدوار سياسية مهمة، وأصبح رئيسا للحزب الليبرالي بعد الحرب العالمية الثانية، ولكنه رفض شتى المناصب التي عرضت عليه، وأنشأ معهدا للدراسات التاريخية في نابولي وتبرع له بمقره ومكتبته.

بعد سقوط الفاشية، عقد الشباب عليه آمالهم ورأوا فيه مرشدا مستقيما وفيلسوفا وصديقا. وأصبح لهم بمثابة “ قاعدة للتنوير”. وقد اعتبرته العديد من المنظمات الثقافية والفنية الشبابية “ بان تفكيره سيبقى أعظم غزو فكري للفكر المعاصر ويتوجب علينا ان نعترف ان كتاباته قد تناولت بالعرض والمناقشة جملة من المشكلات. وباننا نجد فيها العديد من الآراء والأفكار التي تسترعي الانتباه”. وبالرغم من أسلوبه الادبي الفضفاض وتعبيراته الدقيقة، فان كتاباته وتعبيراته الدقيقة ترتكز على فكر منهجي ذي مضمون، ساهمت ببناء فكري للمثالية الهيغيلية والمذهب التاريخي والمذهب الوصفي.

تأثر كروتشه بالفيلسوف الألماني “ هيغل” وفلسفته المثالية التي تقول بان الحقيقة الوحيدة هي العقل والروح، وكذلك بالفيلسوف الايطالي “ فيكو وقد خص هذين الفيلسوفين بمؤلفين هما: “ ما هو حي وما هو ميت في فلسفة هيغل” (1917) و” فلسفة ج. ب فيكو”(1911).

وكروتشه يقر بنفسه بانه “لابد لكل مفكر من ان يكون قد عرف في تاريخه أساتذة قد أحدثوا في حياته العقلية صدمة فكرية فكانوا بمثابة نقطة الانطلاق التي شرع بعدها في التفكير لحسابه الخاص”. وان تلك الشخصية الفلسفية الكبرى التي تركت اثارا عميقة في كل تفكير كروتشه، هو الفيلسوف “ هيغل” بدليل قوله” لقد كان هيغل آخر عبقرية نظرية عظيمة ظهرت في تاريخ الفلسفة، عبقرية من طبقة افلاطون، ارسطو، ديكارت، فيكو وكانت. ولم تظهر بعده سوى مواهب صغرى، ان لم نقل مجرد تابعين لم يكن لهم كبير وزن”. وكان يؤمن بوجود نوعين من المعرفة: المعرفة التي تأتي عن طريق الفهم، والمعرفة التي تأتي عن طريق الخيال.

اما مؤلفاته التأريخية فهي على نوعين تلك التي تعالج الوقائع التاريخية في تسلسلها الزمني، مثل: «تاريخ إيطاليا من 1871»و» تاريخ اوربا من 1815 الى 1915». وتلك التي تبحث في منهج التاريخ وفلسفته مثل» التاريخ كفكر وكفعل»(1938) و» نظرية التاريخ وتأريخه»(1914) وفيه يقول ان التاريخ لابد، اذ اعتبر العمل الفني ان يكتبه فلاسفة، ويرى» ان التاريخ يجب ان يكون صورة للطبيعة ومرآة للإنسان». ووضع كروتشه كتبا مهمة في النقد الادبي منها « دفاتر النقد» وكتابه الضخم» أدب إيطاليا الجديدة» الذي يقع في ستة أجزاء. وله مؤلفات عن كتّاب القرن السابع عشر والادب الإيطالي في القرن الثامن عشر وعن عصر النهضة. كما اهتم كروتشة بعلم الجمال، وهو أفضل من يمثل النزعة التعبيرية في فلسفة الجمال. إذ يرى أن الجمال في التعبير، وعنده الفكر أربعة أنواع: الحدس أو التصور الصادِق. عملية الإدراك: أي إن الحدس والإدراك يمثلان الجانب النظري للفكر، ويقابله الجانب العملي، وهما: الإرادة الفردية، والإرادة الجماعية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

رمل على الطريق

موسيقى الاحد: جولة موسيقية في فيينا

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

مقالات ذات صلة

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي
عام

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

د. نادية هناويإن القول بثبات الحدود الأجناسية ووضوح مقاييسها هو قانون أدبي عام، نصّ عليه أرسطو وهو يصنف الأجناس ويميزها على وفق ما لها من ثوابت نوعية هي عبارة عن قوالب لفظية تختلف عن...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram