اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > عودة الحضارات : حتمية تاريخية أم إرادة التغيير ؟

عودة الحضارات : حتمية تاريخية أم إرادة التغيير ؟

نشر في: 24 يوليو, 2010: 06:04 م

د. مهدي صالح دوّاي جاء عن منظمة التجارة العالمية ((wto، إن الصين أصبحت أول مصدر في العالم عام (2009)، متقدمة بذلك على ألمانيا للمرة الأولى مع صادرات بقيمة (1202) مليار دولار، في حين صدرت ألمانيا في نفس العام ما قيمته (1121) مليار دولار، واحتلت الولايات المتحدة المرتبة الثالثة بـ(1057) مليار دولار...
 هكذا كان الخبر في نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة بكل ما يحمل هذا الزمن من رموز التفوق التي جاءت بها ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ليعبر ذلك عن جملة من المضامين الجديرة بالتأمل، إذ انتهجت الصين انفتاحا اقتصاديا منضبطا على العالم الخارجي منذ عام 1978، لتزداد دخول الصينيين إلى الضعف بعد 25 سنة، وفي العام 2003 تجاوز 87 % من السكان خط الفقر المقدر بدولار واحد في اليوم، وفي عمق ألازمة المالية العالمية - (بدءا من العام 2007 ) والتي تهاوت بسببها اقتصادات صناعية عظمى -  احتلت الصين المركز الثاني كأكبر اقتصاد عالمي بدلا عن اليابان ، بعد ما كانت في العام 2002 تحتل المركز الثامن ، ولم يبق أمام الصين إلا الولايات المتحدة الأمريكية في سباق المراكز القيادية على مستوى الاقتصاد الدولي ، وقد بدأت بالفعل تتآكل مواقع الصدارة الأمريكية أمام الصين ، إذ احتلت الأخيرة في العام 2009 المركز الأول كأكبر سوق للسيارات في العالم، وهو موقع تبوأته الولايات المتحدة منذ أن اخترعت السيارة إلى هذا التاريخ .وبمجمل هذه المؤشرات كان الاقتصاد الصيني في السبعينات لا يمثل سوى 1% من حجم الاقتصاد العالمي وبنسبة أسهام 1.8% من النمو العالمي، أما اليوم فيمثل الاقتصاد الصيني 6.5% من حجم الاقتصاد العالمي ويمده بنحو 25% من أجمالي النمو العالمي . أن مجموعة المؤشرات السابقة قادت البعض إلى أطلاق وصف (المعجزة الصينية)، والذي  لا يحبذه الصينيون دائما، باعتبار أن إيحاءات المعجزة قد تفضي (بنظرهم) إلى دور العوامل الموضوعية في التفوق ، في حين أن الصينيين تواقين إلى إبراز العوامل الذاتية في إيصالهم إلى مصاف الدول العظمى، فانتقالات الصين كقاطرة للنمو العالمي في وقت قصير جدا ، تعزى إلى إرادة ذاتية رعتها عبر الزمن بيئات دينية وثقافية واقتصادية وسياسية أصيلة وثابتة .وباعتقادنا أن أهم ما تضمنته تلك التجربة ، نجاح القيم غيرالمادية في تحقيق الأهداف المادية المتمثلة بالتطور الاقتصادي، فطوال القرون الخمسة الماضية كان التثقيف الرأسمالي يتمحور حول الأساس المادي للتطور، فجاءت التجربة الصينية ووصيفاتها الهندية في المشرق ، والبرازيلية في الجزء الغربي من الأرض لتؤكد بان الحضارات لا تندثر وإنما تضعف لتعود من جديد من خلال ثوابتها الحضارية . ومما يثير في هذا الجانب أن تلك العودة جاءت وفقا لحرق المراحل المعروفة في التطور بدلا من المسارات الخطية للتطور التي روجت لها الأدبيات الرأسمالية. لقد اختارت الصين والهند والبرازيل أنماطا للتطور من خلال المزج الانتقائي لنظريات النمو  والتنمية بما ينسجم مع خصوصيات تلك الدول ، فالملاحظ أن جزءا مهما من نجاحاتها كان بالمراهنة على العامل الديموغرافي ، فبدلا من أن تكون للضغوطات السكانية عوامل سلبية محبطة ،أصبح التعامل مع هذا الرقم عنصرا ايجابيا لتقليل كلف الإنتاج ورفع درجات التنافسية اعتمادا على مصفوفة (العمل الرخيص - الكلف الواطئة-الأسعار التنافسية -  الأسواق الواسعة)، وضمن هذا الطرح فقد كانت تلك الدول الأكثر استفادة  من نتائج الاقتصاد المعولم ، فالجذب الاستثماري (وتحديدا الأجنبي المباشر) الذي حققته تلك الدول في ظل انفتاح غير مسبوق لحركة رأس المال المهاجر ، قد ساهم مع مزايا العمل الرخيص في إقامة المئات من المشاريع الإستراتيجية، التي شكلت انعطافا في تحول مراكز القوة الاقتصادية من الغرب نحو الشرق .وحقيقة الأمر إن العولمة التي أريد منها أن تكون جرعات إضافية في جسد الرأسمالية ، أصبحت ثمارها تجنى خارج تلك المنظومة ، وهذا الأمر بحد ذاته يمثل نجاحا كبيرا لمجموعة الدول السريعة النمو التي تقود قاطرتها الصين ، ووفقا لهذا المسار الجديد للتطور ستتغير أنماط التفكير على مستويات النظرية والتطبيق وما يتبعهما من إجراءات سياسية واقتصادية وثقافية وتكنولوجية ينبغي على الدول أن تتعامل بها وهي تستقبل الحضارات العائدة ، وهنا تكمن اهمية ارادة الذات في التغيير الايجابي بدلا" من سلبيات الانتظار العقيم .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram