TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > جملة مفيدة: الدكتاتورية من قبل.. ومن بعد

جملة مفيدة: الدكتاتورية من قبل.. ومن بعد

نشر في: 14 ديسمبر, 2022: 12:09 ص

 عبدالمنعم الأعسم

لا جديد في القول ان حكم الدكتاتورية لعقود من الزمن لم يصبح (للاسف) من الماضي في وقت تعيد الطبقة السياسية (وفئات مجتمعية) انتاجه في ممارسات واعلانات اعجاب تكاد تكون يومية.

وفي التجارب التي سبقت الحالة العراقية عكف المحللون الاجتماعيون على بحث مخاطر الآثار التي تتركها الدكتاتوريات في سلوك الاجيال التي عاشت الاهوال تحت حكم القمع الطويل ومصادرة الحريات، وبين ايدينا نماذج من الدراسات والحلول القيمة من الارجنتين وجنوب افريقيا واسبانيا، والكثير منها انتج معارف طبية تطبيقية جديدة لمعالجة الضحايا والحيلولة دون ان يمارسوا حياتهم تحت تأثير تلك الحقب السوداء، والاهم دون ان يعاد انتاج ثقافة الدكتاتورية المهزومة.

وقبل تلك التجارب بعقود طويلة كانت تجريدات التأثر بالبيئة الضاغطة موضع دراسة طليعية من قبل العالم البايولوجي الروسي إيفان بافلوف في القرن التاسع عشر ونال عنها جائزة نوبل العام 1904 وتقوم على رصد تفاعل الانسان، والحيوان أيضا، مع التأثيرات الضاغطة واستمرار هذا التفاعل مع غياب مصادر التأثير واشكالها (سقوط الدكتاتورية)، وكانت تجارب بافلوف على الفئران والكلاب في غاية الاهمية حول تحول المنعكس الشرطي (المظالم) بالتكرار لسنوات طويلة الى منعكس لا شرطي حيث يثير غضب الضحية حالما يتذكر المظالم مرة اخرى، وقد يقع في حالة الاعجاب الخفي بها.

لكن ابو حامد الغزالي صاحب (تهافت الفلاسفة) لاحظ في أحد بحوثه طغيان (الروح الخيالي) لدى الانسان مستشهدا بالكلب الذي يهرب بعيدا كلما رأى العصا إذا كان يضرب بها في السابق باستمرار، ما يبقي هاجس الالم قائما في اللاشعور حتى مع ابتعاد خطر العقاب، وقد اعتبر رد الفعل هذا بمثابة حشوة لنظرية ابن خلدون عن لجوء الضحية في حالات معينة الى الاعجاب بجلاده.

وفي انتباهة لرسول حمزاتوف، يقول، ان أبناء قريته في اقاصي داغستان كانوا قد هجروا نبعا من الماء كان قد شهد مذبحة لعشرين من نسائهم، وكان الجيل الثالث من ابنائهم يرتعبون ذعرا كلما مروا بالنبع، وكان كثير منهم يضطرون للمشي يومين بدل ان يسلكوا الطريق عبر النبع مخافة ان يتذكروا بشاعة المجزرة، وقبل سنوات قليلة قال مراسل اجنبي كان قد التقى العشرات من العراقيين وتحدث اليهم عن مستقبل بلادهم، إن الناس هنا لم يخرجوا بعدُ من الكوابيس، وهم يتصرفون كما لو انهم في زنزانات.. وكدت أعد هذه الصورة فرطا من المبالغة، لولا ان بافلوف والغزالي وحمزاتوف سبقوا المراسل، الى تأويل ما تتركه القسوة في الاعماق.

الدراسات الحديثة عن آثار الحقب الدكتاتورية على الشعوب تحذر من مَيلين خطيرين، اولهما، الاستمرار بالخوف (والتخويف) من شبح الجلاد كما لو انه ما يزال حاكما، وثانيهما، الانحراف الى الاعجاب الخفي بالجلاد، كما لو انه كان بريئا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي

إدارة الاقتصاد العراقي: الحاجة الملحة لحكومة اقتصادية متخصصة

د. سهام يوسف بعد مصادقة المحكمة الأتحادية على نتائج الانتخابات الأخيرة، يقف العراق على أعتاب تشكيل حكومة جديدة. هذه الحكومة ستكون اختبارًا حقيقيًا لإصلاح الاقتصاد العراقي المتعثر، حيث تتوقف عليه قدرة البلاد على مواجهة...
سهام يوسف علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram