TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > اللـغـة والـديـن..

اللـغـة والـديـن..

نشر في: 14 ديسمبر, 2022: 11:05 م

سلام حربه

كل شعب له لغته الخاصة، وهذه اللغة لم تأت من فراغ بل هي كائن حي يتطور عبر العصور والأزمان وتمثل الوجود الطبيعي لذلك الشعب عبر حقب تاريخية متعددة ومخاضات مصيرية عسيرة، لتصبح جزءا من النتاج الروحي والنفسي والعقلي والقيمي لذلك الشعب.

اللغة في تعريفها مجموعة من الاشارات المحكمة بمجموعة من القواعد النحوية والصرفية لتوصيل الافكار المحملة بالمعاني والتي هي نتاج العقل، أي ان اللغة هي النتاج العقلي والروحي للشعب وبدون اللغة يصعب التفاهم بين أبناء الشعب الواحد ويتعسر تداخل المعارف وانتقالها بين الشعوب المختلفة. اللغة دونت ونقلت العلوم والمعارف والافكار وهي واسطة الاديان جميعا سواء كانت سماوية او أرضية للوصول الى البشر واعتناق مبادئها وعقائدها السامية..الدين، سماوي أو أرضي، يخاطب قوما معين وبلغتهم ولا يوجد دين، منذ نشأة الخليقة، يخاطب المجتمعات بلغات متعددة في آن واحد رغم الطابع الانساني لكل الاديان واهدافها في خدمة البشر وسعادتهم وسمو ارواحهم ( وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم ) صدق الله العظيم..

الدين الاسلامي نزل على العرب وبلغة العرب وكذا الحال بالنسبة الى الديانتين اليهودية والمسيحية وحتى الديانات الارضية من هندوسية وبوذية وسيخية وزرادشتية وغيرها فانها خاطبت المجتمعات التي ظهرت فيها بلغة ابنائها الاصلية وعملت الاديان على ترصين تلك اللغات والمحافظة عليها لأنها امتلكت بعدا مقدسا من خلال النصوص الدينية السرمدية التي لا تقبل التحريف او التشويه. تعمل الاديان على تنظيم الحياة الاجتماعية والاخلاقية والقانونية، ضمن نصوص مقدسة إن كانت الديانة سماوية ونصوص معرفية راقية إن كانت ارضية، تقوم بنبذ كل السلوكيات والتصرفات والاعمال البذيئة ليغدو المجتمع من خلال الدين والقيم العلمية والمعرفية والفكرية والاعراف النبيلة كيانا روحيا مرصوصا لا تقدر قوى الشر والفرقة والرذيلة على اختراقه وهذا هو جوهر الاديان والغرض الانساني النبيل لنزولها.الدين مظهر من مظاهر روح شعب ولا يظهر الدين الا بوجود مسلمات ذاتية وموضوعية في ذلك الشعب مما تستوجب ان يرسل الله نبيا كي يعدل الانحراف الذي اصاب المجتمع ويعيد الروح الى سابق عهدها ونقائها ( وما ارسلنا في قرية من نبي الا أخذنا اهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون ) صدق الله العظيم.

لقد ازدهرت الشعوب في المراحل الاولى لظهور تلك الاديان وبنيت الحضارات من خلالها لأنها جاءت في أزمنتها الاولى تحديثا لتلك المجتمعات التي كانت تعاني من الامية والجهل وتفشي الفساد والجرائم وهذا ما حصل مع الدين الاسلامي وحضارته التي استمرت قرونا وانتعشت اللغة العربية وعلومها بسبب التلاقح ما بينها وما بين لغة القرآن الكريم سر اعجاز الدين الاسلامي. لكن بعد قرون وتوسع الفتوحات والانفتاح على الاقوام الغريبة وفرض الدين عليها سواء بالتبشير أو بحد السيف دخلت تلك الأقوام في هذا الدين، بعد أن تخلت عن أديانها الوثنية السابقة، وهنا حصلت مشكلة اجتماعية وايمانية في تلقي نصوص وعلوم واحكام وقيم هذا الدين الجديد لأنهم يجهلون لغته وعقائده وطقوسه الذي نشأ في بيئة تختلف عن بيئاتهم ولا تتمثله روح مجتمعاتهم ولا ينسجم مع عاداتهم أو اعرافهم أو قيمهم التي تربوا عليها، اضطرت هذه الشعوب الى تعلم اللغة العربية لكن هذه اللغة بقيت صوتية وليست روحية لأنها لم تتدرج تاريخيا في بنيتهم الحضارية ولم تدخل في تركيبتهم الجينية وبقي الدين الجديد بالنسبة لهم صورا دينية وطقوسا هجينة وبقيت هذه المجتمعات تعاني من الخواء الروحي الذي لم يستطع التدين الجديد أن يملأها بالايمان الحقيقي والقناعة والرضا واليقين الكامل وهنا اضطرت هذه الشعوب ( المستعربة ) ان تستعير الكثير من عقائدها وطقوسها التي كانت تؤمن بها وتربت عليها منذ نشأتها لاسقاطها على الدين الجديد من اجل سد الفراغ الروحي وزرع نوع من الاستقرار النفسي والتوازن الفكري وقد زاوجت بين معتقداتها الوثنية والاسطورية القديمة وبين الدين الجديد وامتلأت اللغة العربية، بعد زمن ليس ببعيد، بالمفردات الغريبة واللهجات المتعددة وتفشت في المجتمعات الطقوس الغريبة كتقديس النار والعودة بقوة الى الوثنية وتعدد الآلهة وظهرت الى الوجود المذاهب والفرق الدينية، التي هي تأويلات فقهائها الجديدة، ليس هذا ما جرى مع الدين الاسلامي فقط بل ومع الديانة المسيحية ايضا، وهذا ما اربك جوهر الدين واخرجه في بعض المراحل التاريخية عن هدفه الانساني والاخلاقي وعدالته بين البشر ليغدو في النهاية، بسبب زيف الايمان، عنوانا للعنف والقهر والارهاب والتخلف وهذا ما عملت به بعض المذاهب ( الاسلامية ) المتطرفة والبعيدة عن روح الاسلام من قاعدة وداعش وتيارات سلفية ومدارس فقهية مغولية متحجرة تدعي تمثيلها للدين الاسلامي مدعومة ومصنّعة في دوائر استعمارية وصهيونية من اجل تخريب الروح العربية صاحبة هذا الدين الحنيف وتصوير العرب، بعد رمي كل هذه الجرائم التي تقترفها المنظمات المتطرفة التي تحمل اسم الاسلام بهتانا في احضانهم، على انهم متخلفون واعداء العلم والحضارة ولا يستحقون الا النفي في الصحراء العربية والعودة للعيش في الخيام والتخلص من دينهم ومن شرورهم لانهم اصبحوا عقبة في طريق تحضر الشعوب ورقيها..

لم يكن الحال الذي وصل اليه الاسلام والعرب في الزمن الحديث عفويا بل هو مؤامرة منذ اكثر من الف عام على هذا الدين الذي ارتبط بحياة العرب والتي اجبرت الحروب والامبراطوريات المتجبرة الاقوام على ترك دياناتهم الوثنية السابقة واعتناقه لما يحمله من روح تجديد وحضارة ولكن منظري اديانهم القديمة انتقموا من هذا الدين الجديد، بعد ان غرسوا عقائدهم الوثنية فيه، ولم يكتفوا بهذا الامر بل جعلوا كل مذهب من المذاهب التي اخترعوها دينا جديدا بعقائد وطقوس دياناتهم القديمة وقالوا أن هذا خير من يمثل الدين الحنيف واصبح الدين السماوي عددا من الاديان الجديدة الذي لم يبق منه سوى ظلال باهتة من دين الله..اصل المشكلة في مجتمعاتنا لغوية فقد تغربت اللغة وتغرب الدين ولم يصبح للغة ولا للنص الديني وقع روحي خاص بهما ولغة الضاد العربية لم تعد لغة العرب لانها استبدلت بلهجات والسن غريبة دخلت مضمار التدين وطردت العرب والدين من بيئتهما وتقطعت جذورهما ولم تعد العربية ولا القرآن الكريم ملك ايديهما بل اصبح العرب خرس لا صوت لهم وما عليهم سوى النطق بلغة جديدة والتدين بأديان ما انزل الله بها من وحي على انها الدين الذي انزله الله على رسولنا الكريم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

دراسة: الضوضاء قد تزيد من خطر الإصابة بنوبة قلبية

ضد منافس شرس.. متى تفوز المراة بحقوقها؟

ما حقيقة استقالة وزير النفط؟

البرلمان يعتزم اطلاق دورات تثقيفية "إلزامية" للمقبلين على الزواج للحد من العنف والطلاق

(المدى) تنشر قرارات جلسة مجلس الوزراء

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram