محمد سعيد الصكارلأدب الرسائل التي يتداولها الناس في العراق تاريخ ممتع طويل، تصديت لبعض ملامحه في كتابي (القلم وما كتب).وكان من جملة ما أشرت إليه مصطلح (الخط المصخم والخطأ لأبيض) الذي كان متداولا حتى منتصف القرن العشرين. ولكل منهما ظروف ومواضعات اجتماعية واستجابات وفق الحالة.
فـ (الخط المسخم - المصخم) هو ورقة خالية من أي نص، ومشطوب عليها بالفحم، تودع في ظرف عليه عنوان المرسل والمرسلة إليه، وهي رسالة استنجاد من النساء المهضومات والبعيدات عن أهاليهن؛ وذلك عندما تتعرض الفتاة المهضومة إلى الظلم وتحتاج إلى مساعدة من أهلها فتسنجد بهم.ومن أحكام من يصل إليه الخط المصخم، أن ينفض يديه من الطعام، إذا كان يأكل، ويهرع إلى نجدة المرسلة بأقصى سرعة، ويحاول إصلاح ذات البين بين قريبته وزوجها.والخط المصخم، على خلوه من النص، ذو لوعة ومرارة وخوف تحيق بالمرسلة. وهو غير متداول بين الرجال. ومجال استخدامه في العراق هو الأرياف والقرى، ويرسل بمعية شخص يأخذه باليد، حيث لا يتوفر البريد في هذه المواطن.أما (الخط الأبيض) فهو ورقة بيضاء تماما، لا نص فيها ولا إسم غير ما يكتب على الظرف، وهو متداول بين الرجال والنساء والأصدقاء، ويمكن إرساله بالبريد. وأساسه العتاب المر بين المرسل والمرسل إليه لقطيعة حصلت بينهما لم يتعرف المرسل على أسبابها، رغم تكرار تساؤلاته، فهو يلمح إلى أنه (لم يبق هناك ما يقال) بعد هذا الصمت غير المفهوم.rnوهي، في الواقع، أكثر وجعاً من (الخط المصخم) لمن يحسن فهم الأمور. ويقتضي أدب الصداقة أن يبادر من تصل إليه إلى الإعتذار، ثم التواصل.rnهذه المواضعات الإجتماعية كانت معروفة بين بعض الناس في أواسط القرن العشرين، وكنت، أنا في شبابي، أساعد من لا يحسن الكتابة على ذلك.rnوها أنا اليوم، أحار أي الرسالتين أرسل إلى سياسيينا في هذه المحنة التي استعصت على الحل، فلا هم ممن يستنجد بهم بخط مصخم في ضباب هذه الكارثة، ولا هم ممن يفهم العتاب على هذا الغياب عن الواجب الوطني، فنعاتبهم.rnويشق علينا أن لا ينفع معهم لا الإستنجاد، ولا العتاب؛ أي لا الخط الأبيض ولا الخط المصخم. فهم لا يقرؤون ما نكتب ولا يأبهون به. ولابد لنا من ايتكار وسيلة (عولمية) للتعامل مع الوضع الخرافي الذي نحن فيه.
الخط المصخم والخط الأبيض فـي تراثنا البريدي العراقي
نشر في: 24 يوليو, 2010: 06:42 م