TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > أين العراق من اليوم العالمي لحقوق الانسان ؟

أين العراق من اليوم العالمي لحقوق الانسان ؟

نشر في: 17 ديسمبر, 2022: 10:20 م

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

تحت شعار الحرية، الكرامة والعدالة للجميع يحتفل العالم منذ الـ 12 من ديسمبر للعام 1948 من كل عام بالذكرى الـ 75 لتوقيع التصريح العالمي لشرعة حقوق الانسان UNDHR تصور نقل جزء من صورة واضحة عنه السيد محمد شياع السوداني رئيس مجلس الوزراء في تصريح مفاده:

"أضحى تطبيق معايير حقوق الانسان منذ عام 2003 ولغاية يومنا هذا، معيارا لبناء المؤسسات وإعتماد التشريعات والسياسات الوطنية، بما ينسجم وتطبيق ما ورد في وثيقة الاعلان العالمي لحقوق الانسان والاعراف والمواثيق الدولية ذات الصلة". التساؤل الذي في أذهاننا هل المفهوم، المعايير والمضمون الدستوري – القانوني لحقوق الانسان سيترجم عمليا في إطار زمني واضح بشكل آليات تنفيذية وتشريعية وقضائية من خلال ادوارمؤسسات سياسية وإدارية حقيقية هدفها حماية وتنمية حقوق الانسان في إطارها الستراتيجي بكل ماتحمله من تداعيات ؟ لاشك أن التساؤل كبير بحق، كون العراق لازال يعيش مفارقة واضحة ومميزة مفادها انه وبينما تواجه بلادنا تحديات كبرى لحقوق الانسان وكيفية تجسيرها وصولا لمرحلة مقبولة للتعامل الانساني وللثقة المتبادلة بين السلطة الحاكمة والمواطنين تعتبر بلاد الرافدين وفقا للسياق التاريخي – الحضاري قبل ما ينيف عن 7000 عام قبل الميلاد من أرقى الدول في مجالات حماية وتنمية حقوق الانسان وحرياته الاساسية. لعل شريعة حمورابي وإقامة أول برلمان ذي مجلسين في العالم كما ورد في كتاب "ألواح سومر"وغيرها من منجزات حضارية – إنسانية خير أدلة تؤكد بإن ما نبت على ارض بلاد الرافدين من منجزات ثقافات – علمية، اساليب ومناهج فكر وحكم سياسي، مؤسسات وشخصيات ذات حكمة وحنكة إدارية تم توثيقها "حضاريا" عززت حقوق الانسان، حرياته والتزاماته الجوهرية. اما في عالمنا اليوم فالصورة جد مختلفة تشير إلا أنه لازال أمامنا شوط طويل صعب ومعقد بأنتظار الوصول لمرحلة حضارية متقدمة نسبيا معها يمكن للعراق وللعراقيين الاقرار بإن تلبية الحقوق المدنية – السياسية والاقتصادية – الاجتماعية الانسانية تشكل العصب الجوهري لبناء عراق جديد حضاريا.

السؤال الاول المنطقي: إليس العراق أجدر بإن ياخذ مكانته المستحقة وفقا لتأريخه الحضاري ولإنجازاته العلمية والثقافية التي اقر العالم بها بل وسار على خطاها مطورا سياقاتها ومضمونها ؟ أم يظل وضعه غير واضح ومتأخر بل وليس شفافا بدرجة كافية تكشف لنا طبيعة الصعوبات والتحديات الاساسية التي لابد من تجاوزها إستجابة لمقتضيات القانون بشقيه الداخلي "الوطني" والدولي "الانساني". التساؤل المكمل والحيوي الذي يجب الاجابة عنه: كيف يمكننا أن نجعل الديمقراطية التي أخذنا بمظاهرها دون جوهرها تحمل كيانا حيا نابضا بالحياة في تعزيز حقوق الانسان الاساسية. من هنا وفقا لما نقله الدكتور عبد الحسين شعبان في مؤلفه " جذور التيار الديمقراطي في العراق" عن الاستاذ والمفكر القانوني حسين جميل حيث أقر الاخير بإن "الديمقراطية وحقوق الانسان متلازمتان" إذ في ظل الديمقراطية تكون حقوق الانسان محترمة في الممارسة، وممارسة حقوق الانسان ضمانة للديمقراطية". إنطلاقا من هذه الحقيقة الواضحة دعى الاستاذ جميل إلى أن يكون "واجب المثقفين والمتعلمين، أن يكتبوا للجماهير دعوتهم للديمقراطية ويبشروا بمفاهيمها ومؤسساتها وأن ينشروا تراث الانسانية في الكفاح ضد الظلم والاستبداد والعمل من أجل كرامة الانسان".

من هنا، فإن تشكل رأي عام حر مستقل "نسبيا" وضاغط على مؤسسات الدول والعراق بحق ليس إستثناءا سيوفر لنا محيطا مواتيا لترجمة السياسات المعلنة بصدد حماية وتنمية حقوق الانسان وحرياته الاساسية "حكومة خدمات حقيقية" ما فتئت قوى الاطار التنسيقي تكرر ضرورة الالتزام بها ومحاسبة من يتجاوزها أو يتعمد الاخلال بها.علما بإن الواقع الراهن لازال دون مستوى الطموح رغم بعض الخطوات المرحب بها مؤخرا لتحجيم الفساد. حقا إن أي مؤشر يتبين أو يستشف منه ضعف واضح في تفعيل الارادة السياسية لتنفيذ الاجراءات الاقتصادية – الاجتماعية والقانونية - القضائية الوطنية – المدنية يستدعى ولاشك النظر بكل جدية إلى الاهتمام بتفعيل الميثاق العربي لحقوق الانسان - دخل حيز التنفيذ في عام 2004 عقب مسيرة مضنية من التعديلات القانونية – من خلال نافذة مهمة لابد من فتحها والاهتمام بمتابعة مساراتها وحيثياتها تتضمن إقامة محكمة عربية لحماية حقوق الانسان وحرياته الاساسية.. لعل من دواعي ذلك إن أزمات العراق "الانسانية" المركبة والمعقدة تحتاج لجهود جبارة من مختلف قطاعات الدولة الرسمية وغير الرسمية لأنقاذ البلاد والعباد بغية الارتقاء بإوضاعهم الاجتماعية – الاقتصادية والادارية بل وفي ألاطار الستراتيجي – القانوني – القضائي الشامل.

من هنا تأتي أهمية وأولوية غرس اللبنات الاولى للجهود المطلوبة إستراتيجيا لإنعاش روح التحرر الانساني من الظلم والاستبداد وسوء الادارة بكل صورها واشكالها وبغض النظر عن طبيعة النظم السياسية السائدة إن كانت برلمانية أم رئاسية او غيرها، ما يمكننا أن نلحظ لاحقا صورا من تغييرات ستنعكس - إن طبقت- إيجابا على واقع العراق في مجال حماية وتنمية حقوق الانسان وحرياته الاساسية. آمال نرجو تحققها قريبا بالسرعة المناسبة إلا انها لازالت وفقا لمعطيات أومؤشرات الواقع بعيدة عن المنال على الاقل في المدى المنظور. إن الحقوق والحريات الانسانية لايمكن أن تقدم على طبق من فضة أو ذهب بل لابد أن ينالها الانسان - من أي موقع يعمل به - من خلال جهد وصراع مستمر مع التحديات الستراتيجية بصورة تتسم بالجرآة والشجاعة و بالمثابرة على نيل المطالب والحقوق المشروعة بعيدا عن حالات التذلل، الاستجداء أو الاستعطاف أو التبعية او السعي نحو أمنيات او مطامح بعيدة عن واقعنا المعاش.

لعل من المناسب تقديم خلاصة مركزة لوضع حقوق الانسان وحرياته الاساسية خاصة منذ 2003 حيث تأمل العراقيون بخاصة عقب سقوط النظام السياسي الدكتاتوري المستبد أن تولد حقبة تاريخية مفصلية تنعش آمالهم بإقامة نظام ديمقراطي جديد يفتح الابواب والنوافذ المشرعة على بناء عقد إجتماعي جديد في القلب منه تأسيس منظومة مؤسسية قويمة، متينة ورصينة مستدامة سياسيا وتنمويا تهدف ليس فقط لحماية حقوق الانسان وحرياته الاساسية بل وللارتقاء النوعي بمستويات المعيشة لكل فرد عراقي على ارض بلادنا المعطاء. علما بإن "الغالبية العظمى" من شعبنا الكريم والاصيل من الفئات الضعيفة، المحرومة والفقيرة لازالت تعاني الامرين ماديا ومعنويا في بلد يتمتع بخيرات واسعة على رأسها امتلاكه ثروات نفطية كبيرة جدا (وغيرها من ثروات معدنية أخرى كامنة) تدرعوائد ضخمة تصل لمليارات الدولارات ولكنها لم تسخر بصورة فاعلة مستدامة تنمويا - إنسانيا لاسباب على راسها افتقاد الحكم الرشيد Good Governanceإذ بنظرة متفحصة للتركيب الهيكلي للمؤسسات يمكن ملاحظة أن الاجراءات البيروقراطية المشددة والقوانين النافذة ليس كلها ولكن جزءا منها يرجع لمراحل سابقة عفى عليها الزمن بل وغير مجدية لإحداث نقلة إدارية نوعية حديثة. يضاف إلى ذلك افتقاد الخبرات والتخصصات التقنية المناسبة لروح ومضمون العصر الحديث المتسارع في درجة النمو والارتقاء النوعي تقنيا – علميا وعمليا.

هذا ومن المناسب الاشارة إلى أن ظاهرة الفساد التي نؤمل للحكومة القائمة معالجتها جذريا بما يفيد تحجيمها ومحاسبة حيتان الفساد في اصعب ملفاتها ينتظر شعبنا أن تحسم سريعا خلال دور قضائي – قانوني نحترمه، نجله ونقدر جهوده عاليا. ترتيبا على ذلك من جهة مكملة، لابد من إنهاء منظومة ونظام للمحاصصة العرقية – القومية، الدينية – المذهبية والعشائرية و الجهوية مع كافة التداعيات السلبية على حقوق الانسان وحرياته الاساسية التي من صورها المؤلمة بحق تمزيق النسيج الاجتماعي – الاقتصادي والثقافي والقيمي للعراق ربما لعقود قادمة، هذا في حال إن بقيت الاوضاع على ما هي عليه دون تغييرات بنيوية جادة. علما بإن من نتاج إستمرار ظواهر فقدان الامن والامان والاستقرار ما يرتبط بملف السلاح المنفلت دون معالجة جوهرية في ظل الاختصاص القانوني السيادي للدولة الذي يعيد الاعتبار والقوة للدولة ومؤسساتها. إن النصوص الدستورية الجميلة للدستور العراقي الراهن التي تؤصل لحقوق الانسان وحرياته الاساسية تعد من أجمل النصوص إذا ما قورنت بدساتير دول الجوار بل ودساتير دول العالم المختلفة لن ولم توفر حماية كافية للانسان طالما بقيت مناخات العنف والعنف المقابل مستمرة في حلقة مفرغة هذا من جهة بينما البلاد في ظل قطاعاتها الاقتصادية – الاجتماعية والثقافية والتعليمية والعلمية والادارية متخلفة وتحتاج لعلاجات علمية وتقنية جديدة في مختلف حقول الحياة من جهة أخرى. إن العراق ماقبل وعقب 2003 خسر الكثير من كفاءاته وخبراته وإبداعاته التخصصية من اطباء وعلماء ومهندسين وإداريين كفوئين التي لابد للسلطات المعنية من استعادة جزءا مهما في أقرب الاجال وفقا لخطط وأجندة إستراتيجية تؤكد الاهتمام الجدي بحقوق الانسان الاساسية لجميع العراقيين من كل الاطياف دون تمايز بين اغلبية واقلية كون الجميع اسهم ببناء وتنمية مبدعة للحضارة العراقية والتراث العراقي الاصيل.

أخيرا: إن النظر لحقوق الانسان وحرياته الاساسية لابد أن تأخذ الصورة الكلية بكل تفصيلاتها وتداخلاتها في المحيطين الداخلي والخارجي كي نتمكن عقبها تشكيل استراتيجية واقعية مبدعة تتكيف وتتوائم مع تطورات العصر الحديث بكل تجلياته ومنجزاته الحديثة في عصر الاقتصاد والمعرفة الرقمية التي يرنو شعبنا المجد للحصول عليها.

إن حق الانسان في العيش الكريم في ظل محيط من العدل الاجتماعي – الاقتصادي بعيدا عن الازمات الستراتيجية – البيئية المنتجة للفقر، للجهل ولقلة المياه وللجفاف، بالاضافة لتدني مستويات الصحة العامة وانحدار قيمة التعليم والعلم وافتقاد للتقنيات الحديثة كلها تحديات لحقوق مستحقة إن لم ينالها العراقيون ستأخذنا لمسارات غير متيقن من تداعياتها التي ستؤثر سلبا على حماية وتنمية حقوق الانسان وحرياته الاساسية بل وعلى ايضا معادلة التوازن الموضوعي بين الحقوق والالتزامات الوطنية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ضد منافس شرس.. متى تفوز المراة بحقوقها؟

ما حقيقة استقالة وزير النفط؟

البرلمان يعتزم اطلاق دورات تثقيفية "إلزامية" للمقبلين على الزواج للحد من العنف والطلاق

(المدى) تنشر قرارات جلسة مجلس الوزراء

السوداني يؤكد التزام العراق بخطط أوبك

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram