ترجمة:عدوية الهلالي
من يستطيع أن يكتب عن الغابات بقدر ما يكتب عن الإجهاض، وعن الديون وعن الحداد، وعن نساء الإنويت المجهولات وعن كافكا؟انها مارجريت أتوود،
وهاهي ميشيل الباريت ماتش وأوديلي ديمانج وفالنتين ليس ورينو مورين وايزابيل دي يجمعن الأسئلة الشائكة لأكثر من خمسة عشر عامًا من النصوص التي كتبتها المؤلفة الكندية الشهيرة في كتاب جديد يحمل عنوان (ماجريت آتوود..اسئلة شائكة) الصادرة مؤخرا عن دار روبرت لافونت للنشر.فلديها الكثيرمن القطع المختارة التي ترضي العقول الفضولية والتي تعمل على إشعال النار الى حد ما، وهذا هو نهج مارغريت أتوود. ولكن لماذا لم يشمل هذا الاهتمام أشعارها في الوقت ذاته، بينما يتردد صدى نجاح كل عمل من اعمالها بمجرد صدوره.
وكما تشير مقدمة كتاب الأسئلة الشائكة، فهذه هي المجموعة الثالثة من مقالات مارغريت أتوود ؛وكل مجموعة تغطي فترة عشرين سنة. فهي تدافع عن نفسها من الرغبة في لعب دور الجدة الحكيمة في النص اللذيذ (بولونيا)، اذ تروي بطريقة تسخر فيها من نفسها من ميلها لإغراق الشباب بالنصائح..وتتساءل:»ما هي النصيحة التي سأقدمها للشباب؟ لا شيء، إلا إذا طلبوا مني. أخيرًا، سيكون الأمر كذلك في عالم مثالي. في العالم الذي أعيش فيه بشكل حقيقي، لأنه في أدنى ذريعة، أجد نفسي أتحدث عن هراء في عدد لا يحصى من الموضوعات «
وتتناول مارغريت أتوود بالفعل مجموعة متنوعة من الموضوعات: الإجهاض، والبيئة، والحريات، وتاريخ كندا، وعلى نطاق أوسع أمريكا الشمالية. ومثل جميع الكتاب، فهي أيضًا قارئة رائعة، لدرجة أنها تقدم تحليلاتها لأعمال شكسبير وكذلك تحليلات لزوجها الراحل، الروائي غرايم جيبسون، دون أن تنسى وجهة نظرها بشأن المقالات، حول عالمة الأحياء راشيل كارسون أو الأكاديمي لويس هايد. ومن بين أمور أخرى،فهي تهتم بالأدب الكندي، باللغتين الإنجليزية والفرنسية وتقرأ الروايات الحديثة. وعلى الرغم من الرحلات والنصوص العلمية وكتب الأطفال والروايات التي توجت بالجوائز أو طواها النسيان، فلا شيء يثنيها عن استخدام جميع الوسائل. ففي روايتها «زمن الطوفان»، كانت القديسة راشيل كارسون القديسة تنتمي الى «طائفة خيالية تعبد الطبيعة والكتاب المقدس». ودون أن تذهب إلى أبعد من ذلك، تجسد مارجريت أتوود هذا الاهتمام المزدوج بشكل جيد إلى حد ما.
وتحاول أتوود باستمرار فهم العالم وتطوراته. وهكذا، في حيرة من وجود الزومبي في كل مكان في الخيال المعاصر، سعت إلى البحث في الموضوع بدلاً من اهماله. وفي نص "سوق المستقبل"، تبحث في (رقصات الموت) والتاريخ الثقافي لمذهب(الفودو)، ولكن أيضًا في تاريخ الأوبئة والحروب، وقصص مصاصي الدماء والمستذئبين، بما في ذلك وحش فرانكشتاين. وتقدم آتوود فرضياتها الخاصة لتجعل الناس يفكرون، دون إعطاء إجابات جاهزة، وهذاهو بالضبط ما تفعله في كتبها الأخرى.وهي تفعل كل ذلك مع قليل من الفكاهة.
وفي نص (أزرار أو شرائط) تعمل آتوود على اللعب مع ما هو متوقع من المرأة، وخاصة المرأة في سن معينة. وتستحضر قصائد أتوود شخصيات قديمة وقوية مثل كاساندر وبينيلوب أوديسي أو معاصرة مثل فريدا كاهلو. لكن المؤلفة الكندية تخترع أيضًا شخصيات جديدة مثل (المرأة التوأم) أو حورية البحر (التي تقتل الرجال ولكنها تربى الأبناء)، والمستذئبة... ومن الملاحظ إنها تخلق شخصيات نسائية قاسية، وتذكرنا بأن العنف ليس من اختصاص الرجال. ففي هذه القصائد، هناك أيضًا كائنات الزومبي والأجانب والطائرات.
ويستمر مصير الأحياء في احتلال مكانة مركزية في شعر مارغريت أتوود، وهو موضوع أثير منذ أكثر من نصف قرن في قصائد الشباب،فضلاعن الوجود القوي للطيور في قصائدها، اذ تناولت بالتحديد الطريقة التي لامست بها الطيور الناس عبر القرون والثقافات.وظهرلها كتاب شعري بعنوان (ترانيم للاخوات المقتولات)يستحضر حكايتين من حكايات غريم تتحول فيها الشخصيات إلى طيور في طريقها إلى شكل من أشكال القيامة، اذ يمثل الطائر (الروح)، كما هو الحال في العديد من الثقافات..
ويشير التعبير الشائع "ميت مثل طائر الدودو" في اللغة إلى حقيقة أن أنواع الطيوريمكن أن تكون انقرضت بفعل الإنسان. فهل يمكن أن تعاني الأنظمة السياسية من نفس المصير؟ وهل سنقول ذات يوم "الموت كالديمقراطية"؟ بهذه الطريقة تحدثت مارغريت آتوود في مقال بعنوان "التحدث عن الحقيقة" عام (2019).
ولا تنسى آتوود، القارئة العظيمة لجورج أورويل، أن اللغة هي أداة قوة، وبالتالي فهي قضية رئيسية. وليس من المستغرب أن هذه الأسئلة تدور في جميع أعمالها. وتعد الكتابات الأخيرة لمارجريت أتوود جزءًا من طبيعة عملها، والتي تتميز بالاهتمام بالعالم في جوانبه الأكثر واقعية بالإضافة إلى أكثرها ميتافيزيقية والتي تبدو وكأنها دعوة إلى اليقظة والعمل فالخطر هو بداية جيدة مثل بصيص الأمل.