علي حسن الفوازخلال الأيام الماضية أثارت الصحف الفرنسية خبرا بدا وكأنه مشكلة كبيرة تشكك بذمة الانتخابات الفرنسية وتهدد استحقاقات الرئاسة الفرنسية وتضع الرئيس ساركوزي أمام اختبار القانون الفرنسي، اذ تقول(الخبرية) على الطريقة اللبنانية ان الرئيس ساركوزي قد تقاضى من جهة ما مبلغا قدره(150)ألف يورو للدعاية خلال حملته الانتخابية، وهذا ما يعد خرقا خطيرا لقوانين الدولة الفرنسية حول شفافية تمويل أحزابها السياسية خلال الحملات الانتخابية..
هذا الخبر نشرته إحدى الصحف الفرنسية في إطار ما تتمتع به وسائل الإعلام الفرنسية من حرية في استقصاء المعلومات، والذي تحول الى مشكلة تجاوزت ما هو قانوني إلى ما هو سياسي، واشعلت فتيلا من الجدل السياسي والحقوقي. هذه الواقعة وقعت بالأمس القريب، ولم تكن جزءا من تاريخ السياسة الفرنسية او صورة من صورة حرياتها العتيدة، فهل ان الصحيفة التي نشرت الخبر استعانت بالديمقراطية الفرنسية العميقة الجذور فقط ، ام انها استعانت أيضاً بجوهر القوانين النافذة التي تجعل من وسائل الإعلام جهة رقابية فاعلة وليس جهة تشهير، أي ان الجهة الإعلامية تملك الدليل والوثيقة على أي مادة إعلامية، وان تجعل من حق الحصول على المعلومات جزءا من فعالياتها وحقوقها وضمن سياق القوانين والتشريعات التي ينتظم بموجبها العمل الإعلامي. إزاء هذا الاستحقاق، وهذه الصورة التي تجسد العلاقة الوطيدة مابين الحرية والمسؤولية، ثمة الكثير من الأسئلة حول ما يمكن الحديث عنه في واقعنا الإعلامي العراقي الذي يعيش للأسف ما يشبه الفوضى التي تتلبس لبوس الحرية، مقابل العديد من الانتهاكات التي تمسّ جوهر هذه الحرية، فضلا عن ان هذا الواقع يعيش تصحرا تشريعيا، وربما يعيش واقعا تخترق فيه الكثير من اللوائح ومواثيق الشرف التي اتفق عليها الإعلاميون في أكثر من مناسبة وفي اكثر من مؤتمر في داخل العراق وخارجه، وحتى الحرية الميسرة بكل امتيازاتها لا تشفع لهذا التصحر الذي يضع الكثيرين أمام مهيمنات يختلط فيها السياسي مع الحزبي مع التأويل الغامض الذي يحكم اغلب مؤسسات هذا الإعلام الذي ينتمي إلى مرجعيات وأجندات وأحزاب بات عملها وطبائع رسائلها الإعلامية مكشوفا، ولا احسب أن هذا الاستحقاق يعطي مبررا للفوضى، لان تداعيات الصراع الأعلى(ان صحت التسمية) بين الأجندات والخنادق تحولت إلى أزمة، والى مناطق مكشوفة للتدخل الخارجي الذي يمول هذه الجهة الإعلامية او تلك، وربما يحكم الكثير من توجهاتها ومواقفها، ناهيك عن ان العديد من المؤسسات الإعلامية خاصة تلك التي تبث من خارج العراق اضحت جزءا من غلواء اللعبة السياسية، وجزءا من عناصر تهديدها، حدّ ان احدى القنوات تشجع على صناعة المتفجرات واعطاء دروس ميسرة لتعلمها خلال24 ساعة دون معلم!! ناهيك عن نمطية الصورة التي تقدمها عن الواقع العراقي ولغة التحريض التي تمارسها والتي تحلّ تحت احكامها ومبرراتها الكثير من الدماء والحقوق، وحالما يبدأ الحديث عن الحاجة الى تشريعات مناسبة تتعاطى مع ضرورات تنظيم هذه الفوضى الاعلامية حتى تبدأ الكثير من الاصوات والجهات المستفيدة من شيوع الفوضى بالحديث وبصوت عال عن الحريات والاستبداد والرقابة والعودة الى الشمولية وغيرها من الحذلقات التي يمارسها للاسف بعض الاعلاميين الذين يعرفون طرق الحرير الاعلامي، هم اكثر الناس خرقا لجغرافيا هذا الطريق، والاكثر تجاوزا على الاعراف واللوائح ومواثيق الشرف الاعلامي. العالم لم يعد محكوما بالمثيولوجيات والنوايا الطيبة، كما انه لايعيش على قرن ثور، اذ انه يعيش في ظل عالم منظم، تيسر سياساته واطر عمله المهنية والانسانية ومصالحه قوانين وتشريعات وحقوق وحريات تنتظم فيما بينها لتشرعن الجانب الاجرائي المنظم والعامل لاحكام السياق، فضلا عن مايجسده من سمات للوجه الحضاري للانسانية ولقيم تمدنها وتطورها، وعلى اعتبار ان القانون هو تمظهر حقيقي لهذا التمدن والتطور وليس إنتهاكاً للحريات.ومن هنا نجد ان الحديث عن قوانين وتشريعات خاصة للاعلام والمطبوعات والأحزاب وغيرها بات من الامور التي تحتاج الى رؤية موضوعية حقيقية والى وقفة تشريعية مهمة، ليس لان الصناعة الاعلامية مصابة بكل العاهات التي تتركها امراض الفوضى، والتي تنعكس تداعياتها على واقعنا(المتمشكل) باكثر من علة سياسية وامنية، حيث يكون الاعلام بكل طبخاته جزء من هذا(التمشكل) الخانق والباعث على الاحباط، ولعل من ابرز صور هذا الاحباط هو ما يتجسد في الاعلام الحزبي وغير الحزبي، والذي حوله السياسيون الى منصات لاطلاق الاحكام وتصفية الحسابات، وربما التشهير بعضعم بالبعض الاخر، وكأن السياسة بات هي سمة اللعب الخشن بين الفرقاء السياسيين واصحاب الاجندات الاعلامية..كما ان الحاجة الى هذه القوانين لاتعني ايضا ان المطبوعات من صحف ودوريات تباع في دكاكين اصحاب اللحوم، اوان الفضائيات والارضيات على سعتها باتت بيوتا لتخريج المحاربين والفقهاء والمحللين نصف السياسيين، او ان الاحزاب خجلى من عدم قانونية عملها الحزبي والايديولوجي والاعلاني!! بقدر ما ان الحاجة بكليتها باتت محكومة بالضرورات التي تستدعي (اللزوميات) في تنظيم هذا الهوس، وترتيب البيت الاعلامي العراقي ليكون مؤهلا لتبني مشروع الدولة الجديدة التي ندعي كثيرا بانها دولة المؤسسات، أليست المؤسس
الإعلام العراقي وقوانين الدولة الديمقراطية
نشر في: 25 يوليو, 2010: 06:20 م