TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "١٩ أيار" تحت أمطار المالكي

"١٩ أيار" تحت أمطار المالكي

نشر في: 19 نوفمبر, 2012: 08:00 م

١٩ أيار هو اسم أطلقته مع الأصدقاء على تحالف أربيل والنجف الذي تحمسنا له الصيف الماضي. أما مطر المالكي فهو نفس مطر صدام حسين والبكر وعارف وصولا الى اقدم حاكم امسك بتقاليد بلادنا الصعبة. ومثل ملايين العراقيين فإنني أغوص في أوحال أرضنا حين تمطر كي أصل بصعوبة الى محل عملي، وحين فعلت هذا صباحا ورحت أتقافز على حجارة هنا وكسرة اسمنت هناك، عادت بي الذاكرة الى عهد الطفولة يوم كنا نخوض عباب محيط متلاطم الامواج يغرق الشوارع المؤدية الى "مدرسة الصمود الابتدائية" وكانت طفولة صامدة حقا، نعبر محيطات مياه الأمطار والمجاري والأخطاء العمرانية، فيما تمطر علينا صواريخ الحرب المشتعلة قرب شط العرب الذي يمتص حيرة دجلة والفرات معا ويحدق في البصرة حاملا حيرتين مضاعفتين بمآلات اهل البلاد ومصائرهم.

حكام هذه البلاد لم يجدوا حلا رغم مرور مئة ألف عام على ظهور فصيلة نياندرتال في الشرق، لتصريف مياه المطر في عراق يقتله الجفاف ويسميه الرحالة واحة فريدة تتوسط صحراء العرب وجبال العجم.

حكامنا المنشغلون بتكديس الأسلحة وتعبئة الجيوش وخوض هزائم لا تحصى، انفقوا المال على كل شيء، لكنهم تركونا نخوض في الاطيان والاوحال من وزيرية بغداد حتى تنومة البصرة، وهم كلما لمحوا وحلا لزبا ولزجا تذكروا الشعب وتفننوا في تمريغ اجسادنا به، تحت شعار "لا صوت يعلو على صوت المعركة".

بلاد الطين هذه شهدت الصيف الماضي اول موقف منسق ومصمم بعناية لمراجعة أداء رئيس الحكومة، وقلت أنا وغيري يومها ان تحالف أربيل والنجف قد يفشل في سحب الثقة دستوريا، لكن في وسعه أن ينجح بحماية التعددية السياسية وكبح جماح الاستبداد في ادارة شؤون العباد. وفرحنا حين جرى تنسيق طيب أوقف مهزلة "البنى التحتية" الى جانب بضعة مواقف اخرى اشعرتنا بوجود طرف قادر على المحاسبة والمراقبة تحت شعار "اختلاف امتي رحمة" الا ان مجموعة كوارث ونوازل تمر بنا مؤخرا لم تشهد اي ظهور علني لجماعة ١٩ ايار او اطراف اجتماعي اربيل والنجف!

سلطاننا استولى اخيرا على السلطة النقدية والبنك المركزي ولم نشهد موقفا منسقا لتحالف ١٩ ايار. وحرك قوات تهدد السلم الاهلي وتلغي عمليا مشاريع الحوار وأخلاق التفاوض المطلوبة لحل مشاكلنا القديمة، ورفع هراوته وراح يتسلق جبال حمرين عاصفا مرعدا، ولم نشهد موقفا منسقا لتحالف ايار. كل اعضاء هذا التحالف كانوا يعلمون ان نجاح المالكي في ضرب ائتلاف العراقية سيعني نجاحه في ضرب الكردستاني ثم الصدري والمجلس الأعلى، وجميعهم تلقوا ضربات خفيفة وثقيلة وينتظرون المزيد كلما اقترب استحقاق لتداول السلطة في بغداد أو المحافظات، وتحالف أيار يتجنب الظهور العلني.

اسأل خبيرا كبيرا من صميم البيت الشيعي عن هذا الصمت وغياب الموقف، فيقول لي بالحرف: الكثير منهم صامت بأمل أن يرتكب المالكي حماقة حقيقية ويتسلق جبلا كرديا كي تزل قدمه ونخلص منه!

طيب يا سادتنا، ومن سيدفع الثمن حتى تلك اللحظة، وكم من الويلات سنحتمل وانتم تحجمون عن ردع ابن الوطن البار وكبح جماحه، حتى تنفلت الأمور؟ وماذا لو تنقل برشاقة على التلال والهضبات المختلطة عرقيا وطائفيا ونجح في تأجيج مشاعر كل المعسكرات وتركنا وترككم انتم جماعة ١٩ ايار، ننزلق في أطيانه وأوحاله ونتخبط تحت أمطاره التي أنشأت اليوم منطقة منكوبة بالطين والفيضانات، من وزيرية بغداد حتى تنومة البصرة؟

ليس في بلادنا ديمقراطية راسخة ولا مستقرة، لكننا سعداء بتعددية سياسية يمكنها ان تمثل مدخلا شرعيا للاستقرار الديمقراطي ومنع ظهور الدكتاتور. وحماية هذا التعدد مهمة لا يقدر عليها حاليا سوى قرار لقاء سريع وعاجل بين اطراف اربيل والنجف، يطرح نقاطا تكبح جماح القرارات العسكرية المنفردة سواء لاربيل او بغداد، ويضع خارطة طريق لمعالجة اي خلاف حول الارض لتجنيب البلاد جهنمات الحروب التي لم يخرج منها احد مزهوا، ولم تترك اي اسرة بلا مصيبة او ويل خلال آخر ٤٠ عاما. وعدا ذلك فإن أمطار السلطان لن ترحم، وفلسفته في تدعيم نفوذه لن تقف عند حد، وخزين بلادنا من الأطيان يكفي لإغراق ١٠ شعوب بأوسخ المصائر. إنها لحظة يثبت فيها الشجاع حكمته وممكناته السياسية، أما سيوفكم فمللنا من طعمها وما التصق بها من روائح الهزيمة. وكل ١٩ أيار وأنتم بخير.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. رحيم العكيلي

    تسحرني لغتك وقدرتك على تجميع وتفكيك عقد هذا البلد ومشاكله انك ياسرمد الطائي كاتب ومحلل من طراز رفيع وليت قادتنا قادرون على فهمك والاستفادة من طروحاتك العميقة

يحدث الآن

(المدى) تنشر نص قرارات مجلس الوزراء

لغياب البدلاء.. الحكم ينهي مباراة القاسم والكهرباء بعد 17 دقيقة من انطلاقها

العراق يعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

البيئة: العراق يتحرك دولياً لتمويل مشاريع التصحر ومواجهة التغير المناخي

التخطيط: قبول 14 براءة اختراع خلال تشرين الثاني وفق معايير دولية

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram