TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الفلسفة ..والوضع العالمي الجديد

الفلسفة ..والوضع العالمي الجديد

نشر في: 27 ديسمبر, 2022: 09:37 م

حازم رعد

في هذا الوضع الجديد العصر الرقمي او ما يصطلح عليه بعصر التحولات الكبرى الذي نشاهد ان كل شيء فيه متسارع يكاد لفرط سرعته ان ينظر مفككا بمسافات بينية ملحوظة، كل شيء فيه هلامي يفتقر الى المعنى رغم الكثرة الحاصلة بالاشياء والكلمات.

اذ بفعل الانفجار الكبير لثورة تقنيات الاتصال والمعلومات والتكنولوجيا وانطلاق ما يسمى العالم السيبراني وتقانات الواقع الافتراضي والاعلام الذي يحول الانسان المنخرط في فضائه وحتى الذي يأبى الاقتراب منه الى روبوت يتصرف فيه كما تقتضي مراكز التحكم التي تصنع التحولات الكبرى ومنها هذا العالم،وواحدة من اهم سمات هذه التحولات هو التشضي واللامركزية بفعل السرعة المفرطة في وتيرة الافكار والمعلومات والاحداث.

ان السمة الاساسية لهذه الوضعية الجديدة هي الفوضى فلا شيء ينتظم مع الاشياء الاخرى وكأن حاجزاً يحول دون تراتبية الاشياء وانتظامها، لعل السرعة الفائقة ووتيرة الحركة والانتقال من [ اين الى اين ] هي التي حدت بالامور ان تحصل بهذه الوضعية وضع لم تشهده مثله الانسان في مختلف ادوارها عبر التاريخ حيث التفكك الواضح في السرديات الكبرى وتهرأ الاسس التي تقوم عليها التي نتج عنها كونتونات صغيرة متنافسة تسعى الى التفوق بلا معيار يحدد الاليات والسبل الواجب اتباعها لبلوغ الاهداف اذن القواعد الاخلاقية شبه منتفية والامور متروكة لميول الانسان ورغباته الجياشة المحمومة بالتفوق ومدى التزاماته بتلك القواعد من عدمه على شفا ان ترتكس عند اول اختبار في ميدان المنافسة.

والوضع الاسري اخذً بالتشضي فالسلطة التي يدعيها الابوين بدت تتعرض للمسائلة حتى حق الكفالة تحت يافطة (السلطة من اجل التربية) فيها حديث كبير مما جعل واقع الاسر مزري يكاد يفقد ارباب الاسر السيطرة على من يتبنون رعايتهم واتمام تربيتهم، بدت الاولاد تنعتق من الاي والام كما حدث من ام العلوم الفلسفة وكيف ان اولادها “كل العلوم” انفصلت عنها بذريعة التخصص والموضوعية والشمول في البحث.

فما هو العمل ؟وما الفاعلية المطلوبة؟ اذا كانت كل الشبكات التي تنتج نسيج من المفاهيم التي تعبر عن التواصل والداعية للانسجام بين البشر عجزت عن ايجاد حلول ناجعة لهذه الاشكالية فاين اذن نبحث عن الحلول لها والوقت لا يسعف والبدائل لا تستطيع مجاراة السرعة التي تتحرك فيها الاشياء، والتي من الممكن ان تبدل حتى في الميزات التي على غرارها يتعين الحد الماهوي لمفهوم الانسان، فالتحدي ازاء الانسان قائما وخاصة مع ظهور انسان الروبوت “دوولي” وهو الصورة الاقرب الى فتاة والذي تم الترويج له كثيراً، ونجد ثنايا ما جاء في رسالة اليونسكو بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة في ١٧ / تشرين الثاني / ٢٠٢٢ ما يؤكد هذا الاختبار الجديد للفلسفة واهميتها ودورها وامكانيتها في ممارسة انتاج مفاهيم تعيد صياغة حدود مفهوم الانسانية والحفاظ عليها حيث ورد في نصوص الرسالة (ونظراً الى حجم التحديات المعاصرة التي تعصف بعالمنا في الوقت الراهن لابد لنا من اعادة النظر في مفهوم الانسانية بحد ذاته، من اجل وضع تصورات لمقومات “الانسان المقبل” الذي يمثل موضوع اليوم العالمي للفلسفة لهذا العام) اذن ان الانظار كلها تتوجه الى ماهية عمل الفلسفة على ايجاد حلول تسعف جوانب عديدة من الانسان (بوصف ان الفلسفة بحث في الموجود) والانسان هو الموجود الوحيد المسكون بطلب المعنى واستكناه واقع ذاته والاشياء معاً.

الخوف المحدق بالانسان والرهبة الشديدة الناجمة عن جهله بواقع الاشياء والمستقبل الذي يتطلب منه وفرة معلومات ونبوءة عما يتوقع ان يكون كلها تدفع به الى المعرفة الى الكشف عن السبب الذي اوصل الامور الى ماهي عليه من فقدان للمعنى وتيه عن الطريق وترك زمام الامور بيد الاعراض تتصوف في الكائن “الانسان».

تنظر الفلسفة الى كل حدث والى الاشياء والى الانسان و الطبيعة بل الى العالم كله على انه “نص” فالاشياء والاشخاص بنظر الفلسفة مجموعة نصوص تخضع لقواعد ونظم عقلية تفسيرية وتأويلية يستهدف من خلال تناولها الحضوة بالمعنى حقيقة كلية او “معنى ما “ حقيقة لكنها نسبية فهي بنظرتها هذه تخضع السرعة والرقمنة لمجموعة نظم وقوانين فالنصوص خاضعة للقواعد والتحديدات، ولذا هي تضع لها مجموعة ادوات ومشارط عقلية ومناهج تحاول من خلالها بحثها والكشف عن الحقائق المستكناة فيها والتي قد يحجب معرفتها الممنظورات الساذجة او بحثها بشكل تقطيعي يفصل بين الاشياء عاداً اياها غير مترابطة او استباق الاحكام والاطلاقات التعميمية المتعجلة مما ينتج الاخطاء الشائعة وبالتالي عدم العلم والمعرفة.

فالعالم الذي هو “فضاء يحدث تواصل فيه بين البشر بمعنى انه فضاء للتجربة الانسانية وخاضع لارادة الانسان” تتعامل معه الفلسفة معاملة النصوص له شكل ومضمون فيه قراءتان ظاهرة وباطنة هامش ومركز تعكس مجموعة تصورات مبدئية وترشحات نتائج بعدية، فطبيعة العالم تنقسم الى محسوس ومعقول هذه الثنائية التي تمثل جوهر الحياة وحقيقتها التي يستحيل عليها الانفكاك عنها هي لازم ذاتي فيها.

قد يكون مركز الحدث “حقيقته الظاهرة” لا تعني الفلسفة بشكل مباشر مثل الانشطة الرياضية والاقتصادية والتحولات التي تفرضها سرعة تقنية المعلومات وفضاء التواصل الرقمي بل كل الفاعليات ذات البعد العمومي، ولكن هامش الحدث وما وراء الحدث يقع موضوعاً لفعل الفلسفة حيث انها ترمي باصرتها الى علل الحدث “النص” البعيدة على ما تتوفر عليه رشحات وليس ما تعنيه من تصورات التي تعني فيما تعني مجموعة من المسلمات والقبليات التي تفرض وصايتها على عقل الانسان وتحكم فيه افكاره ووجهات نظره وتحدد له اصناف ممارساته.

العمل المطلوب كما يصرح بذلك فتحي التريكي فيقول (آن الاوان لا سيما بعد الثورة التكنولوجية والرقمية الهائلة ان نعود الى تطوير الفلسفة بمعناها الواقعي تلك التي تهتم كما يقول الفارابي “بالفضائل النظرية اولا ثم بالفضائل العملية” فالفلسفة هي عملية تشخيص واقع الانسان ومقتضياته ومستتبعاته بادوات نظرية وطريقة بحثية نقدية).

ان ان تكون بعيدة عن المثالية المفرطة ومستجيبة لمتطلبات الواقع من خلال اعداد مفاهيم تحكيه وتفصح عنه وتحدد مكامن الخلل التي يكتنفها ويصدر الخطأ عنها وهذا هو جوهر اشتغال الفلسفة الصحيح الذي يلامس الواقع وكما يقول الدكتور كريم الجاف [ اذ لم تعد الفلسفة بحثاً مجرداً عن حقائق الاشياء خالية من كل تعيين، انما هي البحث عن حقائق الاشياء وقراءتها في اطرها الثقافية والاجتماعية في ضوء التحولات الحضارية الكبرى وفي واقع عالمها الراهن وهذا ما يتميز به فعل الفلسفة في المنعطف ما بعد الحداثي المتأخر ] اي ان حقيقتها في كونها متدفقة عن واقعها ومشكلاته وان الحلول التي تقترحها من صميم الواقع ذاته.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ضد منافس شرس.. متى تفوز المراة بحقوقها؟

ما حقيقة استقالة وزير النفط؟

البرلمان يعتزم اطلاق دورات تثقيفية "إلزامية" للمقبلين على الزواج للحد من العنف والطلاق

(المدى) تنشر قرارات جلسة مجلس الوزراء

السوداني يؤكد التزام العراق بخطط أوبك

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram