إسماعيل نوري الربيعي

تنطوي التنمية الشبابية على غرس منظومة قيمية ، يمكن ترجمتها في ترسيخ مفهوم الإنتماء المسؤول إلى الجماعة، من خلال الإعلاء من قيمة و أهمية (فريق العمل). إنه التوجه نحو التوافق مع البيئة التي ينطلق منها الشاب، حيث الإنتماء إلى المجموعة الأكبر في (المنزل والمدرسة وفريق اللعب و المجتمع)،

استلهام لمبدأ الإنسان بوصفه كائنا اجتماعيا يقوم على التواصل مع الآخرين، حيث يكتسب معنى حضوره و إنسانيته و آدميته من خلال المجموعة. و المسعى نحو توسيع مجال المشاركة في مختلف الفعاليات و تنشيطها. و التوجه نحو تدريب الشباب للانفتاح على المجتمع، باعتبار أن الخبرات الأساسية لا يمكن الحصول عليها من خلال العزلة والإنغلاق.

الحكم الرشيد ليس بالوصفة السحرية، التي تضع الحلول المباشرة للمشكلات، بقدر ما هو آلية تساهم في التخفيف من أعباء تلك المشكلات، وتعمل على الحد منها، من خلال العمل على حماية الفئات المهمشة، عبر تركيز عمل الاستثمار في مواجهة الفقر وتقليص آثاره، و التطلع نحو منح مجمل الفئات الاجتماعية، القدرة على المشاركة والتفاعل في صلب القضايا التي تمس الوطن، وشمولها بالمنافع الناتجة عن النمو. إنه العمل المشترك الذي تتصدى له مجمل المؤسسات الرسمية والمنظمات الأهلية، بغية الكشف عن الأخطاء والملابسات، من خلال تبني الأهداف الموحدة، واللقاء ضمن مصالح مشتركة، يتوافق عليها مجموع المؤسسات الإدارية والتجارية و الثقافية والاجتماعية والسياسية. الحكم الرشيد بهذا المعنى يقوم على بناء وترسيخ ثقافة وطنية، قوامها الديمقراطية و سيادة القانون. البنية الأساسية فيها تتمثل في (المساءلة) الأشمل و الأوسع، تلك التي تقوم بين أفراد الشعب، وليس من قبل الشعب للحكومة، بحسب تعبير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في 19 فبراير 2009. والواقع أن الأمم المتحدة ومن خلال برنامجها الإنمائي حرصت على دعم التجارب الديمقراطية الناهضة في العديد من البلدان، من خلال الاستشارات الفنية و التقنية في تعزيز ثقافة الحوار ، لا سيما في ما يتعلق بالاتصال الجماهيري. أما صندوق الأمم المتحدة لدعم الديمقراطية الذي تأسس عام 2005، فقد تطلع نحو تمويل عمل منظمات المجتمع المدني، والحرص على مساهمة جميع الفئات الاجتماعية في الممارسة الديمقراطية. فيما توجه صندوق النقد الدولي نحو تعزيز مسار تطبيقات الحوكمة، عبر تقديم القروض والمساعدات الفنية للبلدان النامية الساعية نحو تعزيز مسار التجربة الديمقراطية. والعمل على تطبيق آليات الحكم الرشيد، لا سيما في مجال مكافحة الفساد من خلال تفعيل مسار الشفافية والمساءلة في صلب تفاصيل الإنفاق العام.

يمكن ترصد المزيد من القواسم المشتركة بين (الحوكمة و الشباب)، هذا بحساب النظرة المتفحصة في القيمة المعرفية التي يقوم عليهما المفهومان. حيث سمة (الانضباط) تلك التي تميز منهجا ونظاما يراد منه استثمار الإمكانات المتاحة و المتوفرة، بناء على الصحيح والسليم والذي يتمثل في الحوكمة. و طاقة متجددة و متفجرة، تزدان بالحيوية و النشاط و الفاعلية والحياة المستندة إلى الديمومة، و الخلق و الابتكار ، و المتمثلة في (الشباب). إنه لقاء (الشفافية) حيث المسعى إلى الكشف والإفصاح، و التعبير الصادق الواضح، الخالي من المداهنة و المداورة، بناء على تقديم مبدا الحقيقة، تلك التي تترتبط بشكل مباشر بمسألة الحصول على المعلومة ، من دون الوقوع تحت تسويغ التأجيل، و المناورات التي تسعى القوى التقليدية المهيمنة، من أجل الإبقاء على مصالحها وارتباطاتها.

تحضر سمة (الاستقلالية) بوصفها طاقة متجذرة، تميز المنظومتين، فلا معنى للحوكمة حين يتم اخضاعها للوصاية الصادرة من جهة عليا، تحت دعوى الضرورات و المحضورات، و لا قيمة لطاقة الشباب المتجددة إن غدت تحت سطوة تأثير اصحاب المصالح، تحت مبررات المصلحة العامة، و المبررات و التسويغات والذرائع التي يتم إمرارها، انطلاقا من تقديم جملة الضرورة القصوى. إنها التصدر لسمة (المساءلة) تلك التي لا يمكن النهوض بها، من دون الاعتماد على قوة، تنطوي على روح المبادرة، و عدم الخشية من العواقب، بل أن التصدر و الأولويات فيها، إنما تقوم على الملاحظة و المراقبة و تمييز الحسن والقبيح، و اخضاعة لمبدأ التقويم الدقيق، الخالي من القبليات و التنميط. إنها السمة التي تقوم على (المسؤولية الاجتماعية)، تلك الرافعة المعنوية التي تجعل من الحوكمة و الشباب بمثابة الموجه الأصل، نحوبناء صورة العلاقة الجديدة القائمة بين المؤسسات العاملة في صميم المجتمع، وفئة الشباب، لا بوصفهم قوة يمكن إضافتها، انطلاقا من التعاطي معهم بروح العطف و الحنو، بقدر ما يقوم الأمر على بناء العلاقة الجذرية التي تعتمد فكرة المواطنة الكاملة و الطاقة الحاسمة في بناء المجتمع، و أولوية الحضور في جميع المجالات والقطاعات، باعتبارهم الممثلين الرسميين للـــ (المستقبل).

الحديث عن أهمية العلاقة القائمة بين الحوكمة و الشباب، لا تعنى الإطاحة بالمكونات والفئات العمرية الأخرى. فالأمر لا يقوم على جدلية السابق و اللاحق، و التزامن والتعاقب، بقدر ما يكون التطلع نحو بناء مجتمع قائم على استثمار جميع الجهود، من دون الوقوع في دوامة الإزاحات و الاقصاءات. و من هذا تتبدة سمة (العدالة) تلك التي يتم من خلالها تمييز حقوق الجميع، من دون إخلال، أو اندفاعات عاطفية، يتم عبرها تحويل الإيجابي إلى عبء ثقيل يصعب الإفلات من بين براثنه وسطوته. إنه التوجه الدائب والعميق نحو التعاطي مع مفهوم (المسؤولية) و غرسه في صميم العلاقة القائمة بين الحوكمة و الشباب. شباب حر كامل الأهلية، له الحق في المبادرة والاقتراح و التجديد والانجاز والمشاركة، انطلاقا من روح الحرية المسؤولة، تلك التي يتم تنظيمها عبر منظومة الحوكمة.