TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > العراق بعد تشرين 2019

العراق بعد تشرين 2019

نشر في: 28 ديسمبر, 2022: 10:28 م

عباس العلي

إختلاف وجهات النظر أمر طبيعي بين الناس ولا يعد شيئا غير طبيعي بمقدار ما يفصح عن قوة الحدث وقدرته على تحريك الرؤية بأتجاهات متعددة، هذا لا يعني أن تتجاوز وجهات النظر الواقع وتخلق روابط وأحداث غير حقيقية لتعزيز أو تفنيد أفتراض أو تصور ما،

المهم علينا أن نرى الواقع بكل تفاعلاته منها المضمر والمكون كما ننظر للمعلن والمشهور حتى نكون على مسافة حقيقية تقربنا من الواقع وتجنبنا سوء التقدير أو الوقوع بالوهم، هناك رؤية رصدتها من خلال كم التعليقات والردود على ما كتبت في القسم المتقدم بالمقالة والذي بين طبيعة ما جرى في تشرين من خلال عيون مختلفة في الزاوية والتنظير، هذه الرؤية تعلق الحدث بالماضي القريب الذي لم ينفك في تأثيره المباشر على الأحداث، فهي ترى فيما حدث هو أسترداد وعي مغيب من أثر صدمة نفسية شوشت الرؤيا العقلانية للشعب العراقي، وعدم أستيعابه لما حدث نتيجة تسارع الوقائع وقوة الصدمة على قرار لم نكن كعراقيين مهيئين أصلا له، فتسلل حكام اليوم ورؤيتهم وفلسفتهم السلطوية ومنهجهم العملي والتطبيقي من خلال أستغلال الهزيمة النفسية للشعل.

إذا كان السبب الرئيسي فيما جرى يتعلق بأسترداد الوعي النفسي للشعب كما يسترد المريض الخارج من التخدير في عملية جراحية، فقد كان لا يشعر بألمه كما لا يشعر بوجوده الفعلي فهو يسبح بعالم من اللا زمان واللا مكان، إلا أنه في تلك الساعات أو الدقائق ربما كان يستعيد جزء من ذاكرته الجميلة كما يقول علماء النفس، لأن المخدر الطبي سيطر تماما على منطقة الألم في المخ وعطل عملها، فهو تحت التخدير لا يشعر إلا بأثر ومفعول منطقة الأحاسيس السعيدة، وعندما يبدأ مفعول المخدر بالتضاؤل شيئا فشيئا يستعيد الإحساس بالألم، ويبدأ بالتوجع للحظة التي لا يمكنه السيطرة على مقدار الألم فيكتشف ذاته أنه مثلا تعرض لجراحة أو قطع أو قص جزء من جسده، فما جرى بعد 2003 يمثل حالة تخدير وتغييب للوعي وفقدان القدرة على التمييز مصحوبا بشعور نوعي بالسعادة من الخلاص الحقيقي من ألام ماضية أستمرت طويلا، لكن هذا البنج كان قصيرا جدا ربما لم يدم حتى إلى عام 2006 التي صدمت العراق المريض بأحداث طائفية أعادت له الوعي المغيب من 2003.

من المنصف جدا أن نشير للعامل النفسي الذي دوما ما كان محركا للكثير من التصرفات السلوكية الفردية والجمعية وهذا أمر علمي وعملي، خاصة أننا لا ننكر أن المزاج السياسي والشعبي وتحديدا العراقي عاطفيا دائما ويتأثر بالحوافز والبواعث النفسية، فالتاريخ العراقي للشعب يؤيد أن كل الأحداث المحورية التي مرت عليه، كان للعاطفة والأحاسيس دورا مهما في صياغتها، حتى في الخطاب السياسي المهاصر والحاضر كان دور الأستعطاف ولتهييج المشاعر الدينية والمذهبية وحتى القومية المجال الأوسع في التأثير، في حين أننا نشهد الخطاب العقلاني المنطقي الذي يراعي الحقائق ويتجنب الخيالات الشعبية (الشعبوية)، هذا الأمر مفروغ منه ولكن التركيز على الوعي النفسي يفترض أن تكون هناك مساحة حقيقية وحرة للقرار العراقي، أولا العراق ليس جزيرة نائية ومنعزلة عن العالم وأحداثه، ثانيا ليس كل الشعب العراقي حالة مماثلة ومتماثلة كعينة واحدة حتى نطبق عليها نظرية واحدة بغض النظر عن الظروف، نعم نقر أن هناك تغييب نفسي وأستدراج عاطفي وأحيانا محاولة لتقزيم قرار المشروعية السياسية والدستورية من خلال تحفيز الهم النفسي والخطاب الشعبوي، لكن لا ننسى أيضا أن العراق مجتمع واع وفيه من النخب والسياسيين والقوى الفاعلة التي لم يغيب ولا يمكن تغييب وعيها من قبل طبقة سياسية أصلا هي غائبة عن الوعي، وتتحرك بأصابع خارجية معروفة ولا ينكرها أحد.

من المنطق العقلي ونحن نتكلم عن حراك شعبي بقاعدة فكرية وتوجه سياسي حاول أن يقلب المعادلة السياسية القائمة، ومحاولة في تغيير أساسي في قواعد العملية السياسية التي نشأت وولدت مع نظام مغاير ومختلف عن طبيعة التطور السياسي والفكري والأجتماعي لبلد يعد من البلدان الأكثر رسوخا في المنطقة من ناحية الوجود ومن ناحية القدرة على التأثير الإقليمي والدولي، هذا المنطق يحتم علينا أن نستوعب الأزمة والحدث والنتائج من حلال منظور واقعي وإن كنا بحاجة للنظريات العلمية والأفكار الأكاديمية، لكن هذا لا ينسينا أن الواقع أحيانا لا يستوعب هذه النظريات ولا يؤمن بالأفكار الأكاديمية المفسرة التي تتعالى عنه وعن جذور الحرام وأتى الفعل الثوري، بقدر ما يستجيب لقرار المجموع المتعلق بالضروريات والحسيات والشعور الوجودي بالكرامة الوطنية والهم الأجتماعي، أظن أن تشرين لم تكن وليدة نظرية ولا يمكن تفسيرها بنظرية واحدة أو ردها لرأي أو فكرة ما، تشرين فيما أعتقد كان فعلا تأخر عن موعده لأسباب ومبررات عديدة لعب فيها النظام السياسي دورا محوريا حينما جعل درعه ضدها الدين والطبقة الدينية الموغلة بالفساد والتخريب وكراهية العراق وشعبه.

العراق اليوم بفضل تشرين أكثر قدرة على مقاومة كل المخططات وألاعيب ذيول الأحتلال التي ما زالت جاثمة ونائمة على صدر الشعب، لكنها نائمة ومرعوبة وتعتريها هواجس الهزيمة التاريخية المحتمة وهي تعرف أن غضبة العراق لا ترحم، وأن القادم عليها أسوأ حتى مما يتوقعون، تشرين هي النهضة الوحيدة التي وقفت كفعل وليس شعارا بوجه الفاسدين وقدمت التضحيات التي لا يمكن لشعب تحملها من أجل التغيير والخلاص، ولولا دور المؤسسة الدينية بكل فروعها وأشكالها وتوجهاتها التي حاولت اللعب على حبال الأنتهازية والنفاق والدجل لما بقي عرش ومكان للفاسدين وهي بذلك أرتكبت الجريمة السياسية والاخلاقية والدينية بحق الشعب العراقي، تشرين بالأخر والأول فعل عراقي خالص يعبر عن جوهر الشخصية العراقية الصابرة، التي تحاول دفع الضرر والأذى عنها كما يقول المثل “بمرديه” حفاظا على وجود العراق وتأمينا لمستقبله الحر والمستقل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ضد منافس شرس.. متى تفوز المراة بحقوقها؟

ما حقيقة استقالة وزير النفط؟

البرلمان يعتزم اطلاق دورات تثقيفية "إلزامية" للمقبلين على الزواج للحد من العنف والطلاق

(المدى) تنشر قرارات جلسة مجلس الوزراء

السوداني يؤكد التزام العراق بخطط أوبك

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram