سلام حربه

الأعداد إعتبارات رياضية مجردة في فكر الانسان، والعدد إثنا عشر يعتبر من اهم الاعداد التي تعامل بها البشر حتى أن العالم فيثاغورس اعتبر هذا العدد ملائكيا ولكن من هو المكتشف لهذا العدد المبارك والذي بُنيت عليه الاديان والعلوم والقوانين والاحداث فيما بعد.؟

السومريون وحضارتهم الاولى هي الحد الفاصل بين زمنين، ما قبل التاريخ والتاريخ، تعتبر الكتابة التي دونها السومريون قبل أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمئة سنة ق.م بداية تاريخ الانسانية وبواسطة هذه الكتابة التي نقشوها على الالواح الطينية تم نقل افكارهم المتطورة الحديثة الى الاقوام من بعدهم، داخليا في بلادهم ما بين النهرين، بابليون واشوريون واكديون وغيرهم او خارجيا نتيجة الغزوات المتبادلة او التلاقح الفكري بين الشعوب، وهذا ما سمح للاقوام الاخرى أن تطّلع على سر هذه الحضارة التي حيرت العالم وكشوفاتها تظهر يوميا من خلال فرق التنقيب .

وما زال هناك الكثير من الغرائب والالغاز فيما يخصها التي اثبتت سمو ورقي العقل البشري الذي ارسى للشعوب اصول الحياة وسبل العيش وعلاقات البشر مع آلهتهم وفيما بينهم كأفراد وبين سلطات الملوك التي تحكمهم كما وضعت أسس الاديان من خلال الاساطير( حكايات آلهتهم وخلقها للكون والحياة والبشر) التي ما زالت البشرية تعتنقها حتى يومنا هذا حين تضمنت نصوص دياناتها الكثير من أسفار هذه الاساطير وما زالت تحتفظ بحقائقها السرمدية سواء كانت هذه الديانات سماوية ام ارضية. من بين ابداعات السومرين وتصوراتهم الخارقة لهذا الكون والاعمدة العلمية التي يستند عليها أنهم أول من نبّه الى اهمية العدد إثني عشر وجعلوه محورا تفصيليا لحياتهم الدينية والدنيوية، هذا العدد الذي شكل ركائز حياتهم كلها، اذ انهم حين تأملوا القبة السماوية وجدوا أنها تتكون من اثني عشر قسما، كل قسم برج سماوي مقدس واخترعوا علم التنجيم لمراقبة حركة النجوم والكواكب التي ترتبط بالظواهر الطبيعية على الارض، كما انها ترتبط بوضع البشر وتتدخل في انماط حياتهم وسلوكهم وطوالعهم وامراضهم وما زال المنجمون حتى يومنا هذا يستخدمون الطريقة السومرية في تعقب حركة الكواكب والنجوم ومداراتها وتأثيراتها على حاضر البشر ومستقبلهم .

العدد اثنا عشر رسم لهم حياتهم فعدد آلهتهم اثنا عشر اله رئيسي، عدد ساعات اليوم أربعة وعشرين ساعة، عدد ساعات النهار اثنا عشر، عدد ساعات الليل اثنا عشر والسنة اثنا عشر شهرا لكل شهر اله والشهر ثلاثون يوما . السنة أربعة فصول، ثلاثة اشهر كل فصل والاحتفال السنوي بالآلهة اثنا عشر يوما من واحد نيسان لغاية الثاني عشر منه وحتى الحكومة تتكون من اثنا عشر عضوا لادارة شؤون البلاد وهذا ما نراه حديثا في عدد المحلفين الامريكان. في سجل بطولاتهم ملحمة كلكامش اثنا عشر لوحا وانكيدو توفي في اليوم الثاني عشر وعدد بنود قانون حمورابي اثنا عشر بندا. العدد اثنا عشر لا يتحكم بظواهر الطبيعة فقط بل ينفذ الى مشاعر الانسان ومدركاته الحسية، تراه في الادب والاساطير والملاحم وفي الفنون الموسيقية، القيثارة السومرية التي تعود الى 2450 ق. م قُسّم الوتر فيها الى اثنتي عشرة وحدة وبنسب عددية دقيقة كي تصدر منه الحانا جميلة واذا اختلت النسب العددية فانها تصدر الحانا نشازا..لقد أخذت كل الحضارات الاساطير والعلوم من السومريين والبابليين وظهرت في كتبها وطقوسها ومعابدها الدينية ومنها الحضارة الفارسية والمصرية والاغريقية والرومانية وارث العديد من الاقوام الباقية والمنقرضة .

العدد الاثنا عشر العمود الفقري للديانات الغربية القديمة هو عدد آلهة الاغريق والرومان وعدد الواح القانون الروماني وهو العدد الاهم في علوم الرياضيات عندهم كما أكد على ذلك فيثاغورس وكوبرنيكس، وتجلى هذا العدد في الديانات الارضية الشرقية كما في الديانة الزرادشتية التي أخذت من السومريين هذا العدد وادخلته في النصوص الدينية والاجتماعية قبل اكثر من خمسمئة سنة ق. م، هذه الديانة التي تتكون من اثني عشر بندا وعدد تلاميذ زرادشت اثنا عشر ونهاية العالم عندهم بعد اثنا عشر الف عام والارواح الكونية في الديانة الزرادشتية ( بشر يحملون صفة الالهة ) اثنتا عشرة روحا، الروح الاخيرة مختفية وستظهر في اخر الزمان وهي التي تقيم العدل والجنات.وهذا ما نراه أيضا في المذهب الشيعي الاثنا عشري حيث عدد الائمة المعصومين اثنا عشر والامام المهدي ع مختفي وسيظهر في آخر الزمان ليقيم الحق والعدل ويزيل الظلم عن بني البشر. وكذا الحال بالنسبة الى الديانة المانوية حيث نزل الوحي على ماني وهو في سن الثاني عشر، ونفس الامر في البهائية حين اعتزل بهاء الله اثنا عشر يوما قبل اعلان دينه في حديقة النجيبية القريبة من بغداد. وظهر الرقم اثنا عشر في الديانات الصينية والهندية، في الميثيولوجيا الهندية ستظهر في نهاية الحياة اثنتا عشرة شمسا في السماء تحرق الارض وينزل المطر اثنتي عشرة سنة حتى تفنى البشرية..اما في الديانات السماوية اليهودية والمسيحية والاسلام فقد تكرر العدد عشرات ومئات المرات ففي العهد القديم والجديد للديانتين اليهودية والمسيحية ذُكر العدد اثنا عشر مائة وسبعة وثمانون مرة. يعقوب كان لديه اثنا عشر ولدا واسماعيل اثنا عشر ولدا ايضا والنبي موسى فجر اثنا عشر نهرا لكل قبيلة نهرا، شجرة الحياة فيها اثنا عشر نوع من الفاكهة، اثنا عشر شخص شهدوا ولادة المسيح ع، المسيح ع دخل المعبد وعمره اثنا عشر سنة، في العشاء الاخير كان مع السيد المسيح ع اثنا عشر شخصا.

اما في القرآن الكريم فقد ذُكر العدد اثنا عشر مرات عدة حيث عدد الشهور اثنا عشر وعدد اسباط بني اسرائيل اثنا عشر وموسى فجر اثنا عشر عين ماء وغيرها من الآيات القرآنية الكريمة..من كل هذه البانوراما العددية نستنج أن اصل الحضارة واحد فقد علم السومريون البشرية أصول التفكير العلمي المنطقي وبقيت أفكارهم حية حتى زماننا هذا وقد نقلوا العالم من اللاتاريخ الى التاريخ عبر الكتابة المسمارية ونقلوا المجتمعات من مرحلة البربرية والتوحش والعنف الى الزراعة والاستقرار في الأمكنة ، لكن تبقى هناك الكثير من الالغاز في نشأة الحضارة السومرية والعلوم الراقية التي اخترعوها ونظرتهم العلمية الخاصة لخلق الكون والالهة والبشر والتي ترى أسفارها في الديانات السماوية والارضية والمؤمنون بهذه الاديان، خاصة السماوية، لا يرادوهم الشك مطلقا في الاعجاز الالهي لعملية الخلق ومجريات الحياة وهذا قد يقودنا الى التوقف عند بعض الاراء في دراسة الحضارة السومرية والاعتقاد عند بعض علماء الدين والمثيولوجيا ان العلم الذي توصل له السومريون قد يكون موحى اليهم من قبل انبياء سابقين ارسلهم الله قديما كما ارسل انبياءه في دياناته السماوية. لكن مهما تعددت الاراء وتنوعت يبقى فضل السومريين على البشرية جمعاء وانهم من رسم الحياة العصرية لكل الشعوب وهم اول من نبه الى ان هناك آلهة كبار خالقة لهذا الكون الذي لم يأت من فراغ، تبقى ابداعات الانسان السومري، في طفولة العقل الاولى، محيرة لعلماء الميثيولوجيا والحضارات القديمة وتبرهن كل يوم ان العقل البشري هو المطلق في هذا الكون والقادر الوحيد على النفاذ الى حقيقته..