ترجمة: ياسر الأمير
إنه عالم حزين، مقلق حين لا يكون لدى أبٍ كادحٍ من خيار إلا النوم في سيارته و الأكل في مطبخ للحساء. هكذا هي حال جيوليو ( يقوم بدوره فاليريو ماستاندري )، الذي يخون زوجته ( بإقامته علاقة جنسية مع زميلة له في غرفة الأرشيف بمكتب مدينة روما الذي يعمل فيه )،
فيتسبب في تصدع لا يمكن إصلاحه في علاقته الزوجية مع ألينا ( بربارا بوبولوفا ). و يتفق الزوجان على البقاء معاً من أجل طفليهما ــ كاميلا الفتاة المتلطّفة ( روزابيل لورينتي سيلَرز ) و أخيها الأصغر البريء لوقا ( لوبو دي ماتيو ). لكن في أحد الأيام تعلن ألينا أنها لم تعد تطيق حضور جيوليو فيغادر هذا قائلاً إن كل شيء سيكون على ما يرام و سيهتم بموضوع النقود.
هذا هو عالم الفيلم الإيطالي الفرنسي “ تصرّف متوازن Balancing Act “ : متألق في صدقه و وصفه الحياة في روما.
فليس هناك نوادٍ فاتنة، أو مطاعم رفيعة المستوى، أو سيارات فيراري لامعة الاحمرار سريعة التوقف. فهذه روما التي يحصل فيها عامل المدينة الاجتماعي مثل جيوليو على 1400 كراتب شهري يحتاج معه للمحافظة على غرفة منفصلة و أمور أخرى. لكن الإيجارات عالية و الاقتصاد يغوص في الوحل، و أما تكاليف المعيشة، فإن كل روماني يشكو من أنها تتصاعد كالصاروخ على مدى السنوات القليلة الماضية.
و يرى المخرج و كاتب السيناريو المساعد إيفانو دي ماتيو الأمر كالتالي : إذا كان للمرء أن يلملم له وجوداً محترماً، وفقاً لجيوليو، فإن عليه أن يحصل على وظيفة ثانية و لا يفكر بالنوم. و نجد جيوليو يتشكل نفسه، من خلال استماعه و تعامله مع مشاكل الناس السيئة الحظ، إلى حالة اجتماعية طوال الليل. فهو يمر بسلسلة من الحوادث المذلة، و ما أن يفكر بأنه يلعق قاع البرميل، حتى يتضح له أن هناك طبقة أوطأ.
و ماستاندري ( الذي يقوم بهذا الدور ) واحد من أكثر ممثلي الكوميديا تميّزاً في إيطاليا و لديه بالتأكيد القدرة على مثل هذا السلوك البائس. و بدون أن يشكو أو حتى يحاول أن يفسّر نفسه كثيراً، نجد جيوليو يزحف كي يحافظ على كرامته الشخصية. و تحاول كاميلا ( ابنته ) أن تساعده، في ذلك. و يدهشهما معاً الحب القوي التي تشعر به نحو أبيها. فتركيبهما الكيميائي عجيب، و هكذا نرى أن حضور ابنته يلهمه، و يوفر له في النهاية الإرادة و الطاقة ليواصل البقاء، بتعبير جيوليو.
و يمكن القول إن فيلم “ تصرف متوازن “، من نواحٍ كثيرة، هو قصة حب. لكن و كما يرينا دي ماتيو على هذا النحوٍ المحكم، فإن التظاهر بأن المال ينبغي ألاّ يتدخل في الحب ليس رياءً فقط، إنه مقدمة لمصيبة. و الرسالة صارخة و واضحة لكن القصة لا تمتلك أية حلول ــ فقط هناك ملاحظة دي ماتيو الحزينة، الصائبة مع هذا، بأنه قبل عقد من الزمن فقط، كان الاقتصاد سيكون قد تعايش مع الأخطاء مثل أخطاء جيوليو. أما الآن فإن هفوة بسيطة حتى، يمكنها أن تؤدي إلى حيث يعلم الله.
و يجدر بالذكر أخيراً، أن “ تصرف متوازن “ قد عُرض في اليابان في مناسبة ( يوم الأب ). و هو، في الحقيقة، ترنيمة لآباء الطبقة الوسطى الذين تُصبح خياراتهم محدودة على نحوٍ متزايد، داخل البيت و خارجه في عالم العمل. و هم يستحقون بالتأكيد ما هو أفضل، كما تقول كوري شوجي في عرضها النقدي هذا.