اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > سينما > بين الرواية والفيلم .. ستيفن كنغ يتحدث عن رائعة كوبريك “ ذي شايننغ “ وكتب أخرى

بين الرواية والفيلم .. ستيفن كنغ يتحدث عن رائعة كوبريك “ ذي شايننغ “ وكتب أخرى

نشر في: 4 يناير, 2023: 10:59 م

ترجمة: عباس المفرجي

في أحاديثه عن كتبه مع القرّاء، يروي ستيفن كنغ أحيانا قصة عن ’’ مناقشة ماقبل الانتاج ‘‘ للفيلم المقتبس عام 1980 عن روايته “ ذي شايننغ “. في السابعة صباحا، كان كنغ يحلق ذقنه في الحمام حين ركضت زوجته نحوه قائلة له أن هناك مكالمة هاتفية له من لندن،

والمتصل هو ستانلي كوبريك. مجرد ذكر إسم المخرج كان صدمة كافية بحيث أن كنغ عندما ذهب الى الهاتف، كان خيط من الدم يسيل على خده والخد الآخر لم يزل مغطى بالصابون. أول شيء قاله كوبريك – وهو غير ذي قيمة بحيث أن همهمة كنغ بدت لشخص غريق – كان: (( أعتقد أن قصص ما وراء الطبيعة هي في الأساس تفاؤلية، الا توافقني الرأي؟ لو كان للأشباح وجود فهذا يعني أننا ننجو من الموت. )) سأله كنغ عن الجحيم، كيف سيتفق مع ذلك؟ فكانت وقفة طويلة من الصمت، ثم: (( أنا لا أؤمن بالجحيم. ))

يروي كنغ هذه الحكاية مثل قصة رعب، وهذا ماخمنته، بما أن من المعروف أنه يكره إقتباس كوبريك لكتابه. نحن نتخيل كوبريك وحشا، بكوكبة من شعر جامح يكسو وجهه الشاحب، ضاحكا إذ هو يجرّ الرواية الى الأعماق اللاإنسانية لفن السينما. تحوّلَ المخرج في هذه القصة الى شخصية من رواية لستيفن كنغ إنتقاما على تحويل “ ذي شايننغ “ الى فيلم لستانلي كوبريك.

قبل ستة اشهر دُعِيت الى إدارة مهرجان “ من الصفحة الى الشاشة “ في برايدبورت، دوسيت، المكرّس للأفلام المقتبسة عن كتب. كنت مثارا بأن اكون جزءً منه وتفاجئت، عندما بدأت النظر، من كيف تبدأ الكثير من الأفلام في شكل طباعي – ستة من تسعة أفلام مرشحة لجائزة أوسكار أفضل فيلم لهذا العام – والعديد من الأفلام التي إخترناها تحتال على الكتب التي ألهمتها. في “ كلولس “، على سبيل المثال، إيما جين اوستن تصبح شير هورويتز، منطقة جورجيان هايبوري تصبح بيفرلي هيلز المعاصرة، العربة التي تجرها خيول تصبح سيارة مكشوفة، في حين تبقى كل الشخصيات والرومانس تقريبا نفسها، فقط مع عاميّة مختلفة. لكنغ نظرية دقيقة حول كيف يمكن لصوت مقتبس ان يفرض نفسه على قصة. نسخته من “ ذي شايننغ “ (( تنتهي مع الفندق المحترق، ونسخة كوبريك مع فندق مجمّد )) لأنه شخص (( حامي وعاطفب متهافت ))، بينما كوبريك كان (( الشخص الأكثر برودا في الكون )).

واحد من الأفلام التي سنعرضها مبني على رواية باري غيفورد “ وايلد آت هارت “، عن زوجين ذوي جاذبية جنسية، منتشين بالحب، سايلور ولولا. في نهاية الكتاب حالما يتم سايلور مدة طويلة أخرى في السجن، تكون لولا بإنتظاره مع إبنهما، الذي لم ير والده أبدا. بعد أن يسدي لإبنه بضع نصائح عن الحياة، يترك سايلور أسرته الجديدة، شاعرا بانه سوف لا يجلب لهما سوى المتاعب. تدعه لولا يذهب.

في كتاب كريس رودلي، المقابلة الطويلة مع ديفيد لينش، الذي إقتبس “ وايلد آت هارت “ للسينما، يقول المخرج، أن هذه النهاية (( بصراحة لا تبدو واقعية، بالنظر للمشاعر التي كانت تربط بينهما. عندما رأى سام غولدواين [ الإبن ] المسوّدة الأولى من السيناريو قال، ’ انا أكره هذه النهاية،‘ فقلت – وخطر لي ذلك فجأة – ’ أنا أكره تلك النهاية، أيضا! ‘ عندئذ قال هو، ’ لماذا لا تغيرها؟ ‘ فقلت، ’ سأغيرها، اللعنة عليها! ‘ )) ما أن بدأ، حتى غيّر الكثير. لوى العنف المسرف، اضاف جديلة من الفكاهة السخيفة، والأهم، أسدل قصة “ ويزارد أوف أوز “ على القمة. هذا هو ما تدخل به الى عالم لينش. عند نهاية الفيلم، بينما سايلور يكون ممددا في منتصف الطريق، صريعا، وانفه محطم، تزوره الساحرة الطيبة بعباءة بلون وردي فاتح لتقول له أن يعود الى أسرته. الساحرة مع عصاها السحرية يمكن ان تكون أيضا ديفيد لينش، المقتبِس، هابطا من السماء ليمنح القصة نهاية سعيدة.

تغيير نقاط الحبكة الرئيسية في كتاب محبوب يمكن أن يكون محفوفا بالمخاطر. ليس ثمة حنق مثل إزدراء معجب متشدد. غالبا، من أكثر المعجبين تشددا هم المؤلفون. انتوني بيرغس تبرّأ من الفيلم والرواية معا، “ البرتقالة الميكانيكية “، بعد أن منعت نسخة كوبريك من الرواية البطل آليكس من الخلاص من غريزته للعنف. في 1995، بعد سنة من نقل روايته “ فوريست غامب “ الى الشاشة، نشر وينستون غروم “ غامب وشركاه “، رواية تتمة، تبدأ مع: ((دعني أقول هذا: الجميع يخطأ... لكن خذها كلمة مني – لا تدع أبدا أحدا يصنع فيلما عن قصة حياتك. )) رواية ريتشارد ماثيسون “ أنا اسطورة “ تم أفلمتها أربع مرات، ولم تكن أبدا على الوجه الذي يرضيه. بعد الإقتباس الأحدث لها، يُنقل عنه أنه قال: (( لا أعرف لماذا هوليوود مفتونة بكتابي في حين هم لا يهتمون أبدا بنقله الى السينما كما كتبته أنا. )) يمكنني أن أفهم لماذا يكون المؤلفون شديدي الحساسية حول قداسة اعمالهم، لكنهم، في معظم الحالات، يستحقون التجاهل. أغلب الإقتباسات العظيمة بنت نجاحها على تجاهل، أو على الأقل تحويل، العوامل الرئيسية للنص المصدر. الى حد ما، فيلم مايك نيكولز عن رواية “ الخرّيج “ هو إقتباس أمين. اُخِذَ السيناريو بالكامل من الرواية الممتازة لتشارلز وَب، التي هي نفسها مكتوبة على نحو مقتصد ويسيطر عليها الحوار. طبقا للسيناريو والكتاب معا، بنجامين برادوك، البطل، هو في العشرين من العمر (( بارع جدا )) و(( فتى من النوع الذي يجد عناء في الإبتعاد عن السيدات. )) على هذا الأساس، أمر منطقي أن نيكولز رغِبَ أن يكون الدور الرئيسي لروبرت ردفورد.

لكن الدور ايضا يستدعي من برادوك أن يكافح للإتصال مع الناس، ويجد العلاقات صعبة ويرى حياة والديه المترفة في لوس انجلس بشعة. حين تم إختيار ردفورد، الطويل القامة الأنيق، للدور لم يكن نيكولز مقتنعا. بدلا من ذلك، دعا المخرج ممثلا مسرحيا شابا، كان رآه يؤدي دور رجل بملابس نساء في مسرح خارج بودواي. لم ير الكثير من الناس أن دستن هوفمان سيكون ملائما للدور، وأكثرهم هوفمان نفسه. (( شعرت دائما أنني كنت غير ملائم للدور. )) قال. (( توقعت أن يصرفوني، لذلك كان القلق الذي إنتابني ليس فقط من كوني جديد على السينما، بل أيضا من الشعور بأنهم إرتكبوا خطأً بإختاري للدور. ))

“ الخريج “، بإستخدامه بوجه خاص الموسيقى وأداء دستن هوفمان، ألهم ريتشارد آيود بإقتباس روايتي “ تحت سطح البحر “. يؤدي هوفمان دور برادوك بألم سايكولوجي، مبتلعا كلمات نصه، مستخدما (( في أحوال كثيرة أداء ملتوي، )) كما يعبّر عن ذلك آيود. (( عندما تقرأ الكتاب، يبدو أكثر تهكما ونقدا لاذعا، أقرب الى هولدن كولفيلد، )) يقول المخرج، (( لكن مع دستن هوفمان فهو يبدو على نحو أصيل مروِّعا. ))

بالنسبة لي، نسخة بنجامين في الكتاب هي شخص مضطرب إجتماعيا وسيم المظهر، تقريبا على نمط باتريك بيتمان، مقارنة باللابطل القلق في نسخة الفيلم. كوميديات عن خراقة السلوك – من “ روشمور “ الى “ ذي أوفيس “ الى “ إكبح حماسك “ – لما كانت وجِدت لولا اداء هوفمان. إنه أتاح لنا التعاطف مع برادوك، برغم إسلوب حياته الأناني الموسّر.

لم يكن “ الخريج “ إستثناءً في تليين شخصية بطله على الشاشة. في بعض الأحيان، يكون صانعي الأفلام مهتمين بالقيام بذلك بدافع تجاري، للحصول على جمهور أوسع. قد يكون ذلك صحيحا في أحيان، لكن هناك أيضا إختلاف في الطريقة التي يُستهلَك بها فيلم ما. (( عندما تقرأ، تصبح جزئيا الشخصية الرئيسية، ثمة منطقة رمادية بين صوتك والصوت الذي على الصفحة، )) يقول آيود، (( لكن في الفيلم، عندما ترى على الشاشة أحدا ما، الذي من الواضح انه ليس أنت، ثمة آخرية مادية – تقرر نوعا ما إن كان يمتعك أن تكون برفقة ذلك الشخص. ))

الآخرية المادية، تتصاعد فقط حين يكون الممثل البطل نجما، نعرف أنه خارج السينما شخص شهير الى حد كبير، ثري وله حياة عاطفية معقدة. كم من الجهد نطلب من المشاهد ليقيم إتصالا عاطفيا مع شخصية يلعب دورها توم كروز؟ نحن، أيضا، أقل تسامحا مع شخصيات على الشاشة. يعبّر عن ذلك آيود: (( أعتقد ان هناك مسحة بيوريتانية في معظم الأفلام. الشر يجب أن يُعاقَب. )) كقاعدة، كل الأحداث على الشاشة الكبيرة - شريرة كانت أو لم تكن – تحظى برد فعل مناسب. لا يسمح لصنّاع الفيلم بسهولة بإستخدام الحرية الأدبية للمؤلف: لندع القارئ يقرر.

في “ امريكان سايكو “، الرواية، يُوحى الينا أن جرائم القتل التي يرتكبها باتريك بيتمان يمكن ان تكون كلها من بنات خياله. مشاهد الرعب- الجنس الضارية في كلي الأمرين، في الواقع والخيال، هي مزعجة. نحن ننسجم فقط مع عنف الكتاب لأن هناك صمامات أمان لعدم لموثوقية. في الفيلم، نواجه درجة أكثر نعومة بكثير للسَّيكوباتي. يبدو هذا أشبه بقرار حسّاس بما أن الغموض، في الفيلم، يكون عسيرا على التأكيد. شخصية كريستيان بيل لم تكن أبدا مشوشة أو معقدة كما هي في الكتاب. عند نهاية الفيلم، يُعرَض علينا منفذا – الم يكن كل هذا في عقله فقط؟ – لكن تلك اللحظة تبدو إحتيالا أكثر منها سؤالا حقيقيا.

فيلم آلفرد هيتشكوك عام 1950، “ ستيج فرايت “، تعرّض للنقد بسبب ما اصبح معروفا بـ ’’ الفلاش باك الكاذب ‘‘ – فلاش باك طويل عن جريمة قتل، نعرف فيما بعد انها غير حقيقية. احسّ المشاهدون إنهم اُستغفِلوا، ولم يكن هذا في صالح الفيلم. متحدثا الى فرانسوا تريفو، قال هيتشكوك: ((في الأفلام، لا يعترض الناس أبدا إن رأوا شخصا يروي أكاذيبا. وهو أيضا أمر مقبول إن روت شخصية ما قصة من الماضي، لأن الفلاش باك سيعرضها كما لوكانت تدورفي الحاضر. إذن لماذا لا يمكننا أن نروي كذبا عبْر الفلاش باك؟ ))

حتى عندما يكون الفيلم ملتبسا بقوة، مثل “ ذي شايننغ “ كوبريك، يظل المشاهد يرغب بحقيقة موضوعية. ربما هي مادية الفيلم – فكرة أن الرؤية هي التصديق. الفيلم الوثائقي “ الغرفة 237 “هو خزانة عرض للطرق الوافرة التي بسط فيها الناس الواقع في محاولة للعثور على معنى واضح في “ ذي شايننغ “. أغلب المعلقين على الفيلم يبدأون بالقول أنهم عندما شاهدوه أول مرة لم يستمتعوا به، لم يكن مفهوما. بعد حين فقط، أدركوا رسالته الحقيقية: هو إعتذار كوبريك عن تزييف الهبوط على القمر، أو إستعارة عن إبادة سكان امريكا الأصليين، أو أداة نقل لرسالة جنسية دون الوعي. في “ ذي شايننغ “، عمق تركيز الكاميرا يضيف الإحساس بأنه لا بد ان هناك خطة إخراجية كبيرة في العمل: كل موضوع يتوهج بمغزى معين. وحين شاهدت “ الغرفة 237 “، آمنت، على التعاقب، بكل نظرية من نظريات المؤامرة تلك.

إنها واحدة من المتع مشاهدة قصة ما تثب من بين الوسائط – محاولة لتخمين ثاني للمنطق، أو، بطريقة أخرى، ما يكمن خلف كل قرار. في المهرجان، سنعرض في برايدبورت “ ذي شايننغ “ في فندق مهجور على قمة جرف. جان هارلان، اليد اليمنى لكوبريك في الفيلم، سيكون هناك للإجابة على الأسئلة. حينها، على الأقل، يمكننا في النهاية إكتشاف أي من نظرياتنا المعتوهة هي الصحيحة.

في بعض الحالات، حتى النص الأصلي يكون غير واثق من نفسه. لأجل فيلمه الثاني، يعمل آيود مع آفي كورين لإقتباس “ المثل “ لدوستويفسكي ( الخطوة التالية بعد العمل على واحدة من رواياتي ). هي قصة عن رجل يُربَك بإكتشاف ان طيفه الأكثر كاريزمية يعمل في نفس المكتب الذي يعمل هو فيه. يقول لي آيود ان ما هو غير عادي حول “ المثل “ هو أن دوستويفسكي لم يكتب لها أبدا أي نهاية كان راضيا عنها. سألت آيود إن كان ذلك سوف لا يجعل الحياة أسهل، بما أنه يلغي اي مشكلة عن معصومية المؤلف؟ )) (( أجل، )) أجاب آيود، (( سنساعد فيودور على وضعها بشكل صحيح هذه المرة. ))

عن صحيفة الغارديان

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

الأثر الإبداعي للكتب السينمائية المترجمة ملف "السينمائي" الجديد

مشهد بصري لشاعر يتلهّى ويستأنس بالكلمات والصُّور الشعرية

ياسر كريم: المتلقي العراقي متعطش لأفلام أو دراما غير تقليدية

مقالات ذات صلة

ياسر كريم: المتلقي العراقي متعطش لأفلام أو دراما غير تقليدية
سينما

ياسر كريم: المتلقي العراقي متعطش لأفلام أو دراما غير تقليدية

المدىياسر كريم مخرج شاب يعيش ويعمل حاليا في بغداد، حصل على بكالوريوس علوم الكيمياء من الجامعة المستنصرية. ثم استهوته السينما وحصل علي شهادة الماجستير في الاخراج السينمائي من Kino-eyes, The European movie master من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram