عبدالله السكوتي يروى انه (ميعرف علّة الاخرس غير الاطرش).. والدرد كلمة فارسية تعني المشكلة او الحزن، ومنشأ هذا المثل، تأتّى من ان الاخرس لايستطيع الكلام، لذلك استعان باشارات يديه، وتحريك عينيه، وانفعالات وجهه، للتعبير عما يريد، واستعان بذات الشيء لمعرفة مايراد منه،
ولماكان الاطرش لايسمع، فقد ساقته الحاجة الى معرفة مايدور بين المتحدثين، بتتبع اشاراتهم، وحركات اعينهم، ومايظهر على وجوههم من انفعالات، اذن فالاطرش يعلم مايدور، ويدري الى اين تسير امور البلاد والعباد عن طريق الاشارات والانفعالات التي تظهر على وجه الاخرس والتي اصبحت الان تحتاج الى علاج نفسي، فقد ترى انسانا على شاشة فضائية ما، يلعن ويشتم ويخرج مايخرج من فمه باعصاب متوترة ونهم الى الضرب والعض، وكل هذا مدروس ومعروف، فقد تتابعت الاحداث المأساوية في العراق لتحيل الفرد العراقي الى الجنون. لاتكاد تسمع اثنين يتشاجران حتى ترى على مدى الثواني الدماء تسيل والبصاق يملأ جميع فتحات الوجه والتي شاء الله ان يجعلها اكثر من اللازم، اما الصراخ فحدث بلاحرج؛ الكل يصرخ وكأننا نعيش الهستريا بكل معانيها، انه كلام ولكن من نوع خاص، ومن المؤكد ان الاطرش يدري ماالذي اوصل الناس الى هذا الحد، ولكنه كما قيل سابقا (منطيها اذن الطرشه)، لايريد ان يطلع على احوال الناس، لانه قد اتى ببرنامج ليس له نظير في التعذيب والتنكيل النفسي، لم يكن ذهابنا الى صناديق الاقتراع خطأ، ولكنه لم يكن موفقا وكان خير لنا لو اننا جلسنا نحتسي الشاي او شيئا آخر في يوم آذاري جميل، لقد اسأنا تقييم البعض واعطينا اصواتنا الى الفراغ. لاادري ماالذي احالني الى التحمس لهذا المثل، إلا أنني امتلك قرارا قديما يدعوني الى الصمت، لم انفذه حتى الان، ام انني ارى ان منطق الصمت هو ابلغ من كل مايقال، ام انني اعطي صوتي لهذين الامرين، لانه لاجدوى من الكلام فهو(نفخ في قربة مثقوبة)، وسيبقى الكلام اجوفا لحين اصلاح القربة . ادواردو غاليانو يقول في كتاب افواه الزمن ان البشر تعلموا بناء البيوت من الطيور، وتعلموا صناعة العجلات من جذوع الاشجار عندما رأوها تتدحرج من اعالي الجبال، وتعلموا اقامة السدود من القندس، وتعلموا صناعة السفن من الاخشاب التي تطفو على سطح الماء، ومن الريح تعلمنا ان نصنع الشراع، ومن العناكب تعلمنا الحياكة؛ لكنه يتساءل اخيرا من الذي علمنا العادات الخبيثة؟ ممن تعلمنا تعذيب الاخر واذلال العالم؟. تساؤل في محله يدور في فلك مانحن فيه من عذاب، حتى وصل الامر بي ان اسمي برنامج (يسعد صباحك ياعراق) الذي يظهر من على شاشة احدى الفضائيات ببرنامج (اللطم)، لان الجميع يتذمر ويبكي ولكن لاسميع ولامجيب، مجرد تفريغ للمشاعر المكبوتة، كما فعل المسرح العراقي قبل سقوط النظام بسنوات قليلة، اذ ظهر ممثلون معروفون بموالاتهم للنظام يتكلمون بسخرية عن بعض تصرفات وزارة الداخلية، وكنا نرتعد خوفا لكن سرعان ماكشف الامر، فالمسرح العراقي في زمن النظام السابق غير معتاد على امور كهذه، ولو اني سمعت الانتقادات من فم يوسف العاني او سامي عبد الحميد لهان الامر ولصدقت ماذهبا اليه وصفقت، ولكنه خرج من افواه تتحلب بعصير تفاح النظام، وقارنت بين هذا الغث، وبين السمين من مثل (لعابة الصبر) الذي كان يقدمه من على شاشة التلفزيون في سبعينيات القرن المنصرم الفنان سامي عبد الحميد الى ان انفجرت اللعابة في نهاية الحلقة، على هذا الاساس، انا اخشى ان الاخرس حين لم ير احدا يستجيب لاشاراته وانفعالاته يلجأ الى اسلوب آخر هو الانفجار، ويغادر الحضارة والتحضر التي تنطوي على العض والرفس.
هواء فـي شبك ..(ميعرف درد الاخرس الا الاطرش)
نشر في: 25 يوليو, 2010: 08:11 م