علي حسين
إنتظر العراقيون أن يخرج عليهم مسؤول يخبرهم عن الجهات التي سهّلت سرقة أموال الضرائب، وأنتظروا صابرين أن يصدر قرار قضائي بسجن جميع المتورطين وحجز أموالهم، لكن العراقيين الذين لا حول ولا قوة لهم اكتشفوا أن المتهم الرئيس نور زهير احتفل بأعياد الميلاد في قصره الذي اشتراه بأموال مسروقة، وأنه تلقى التهاني من بعض المسؤولين بمناسبة العام الجديد متمنين له أعواماً أفضل مع سرقات أدسم.
هناك غموض يحيط بحكاية سرقة القرن، إذ كيف تمكن شاب من أن يحوِّل كل هذه المبالغ؟ يريدون منا أن نصدّق أنه لا علاقة لبعض السياسيين المتنفذين بهذه السرقة.
بالأمس أخبرنا رئيس هيئة النزاهة باسترداد 4 مليارات دينار من أحد المتهمين، وعرفنا أن هذا المبلغ هو جزء من أصل 17 مليار دينار التي يجب أن يسددها المتهم جراء تضخم أمواله، تصريحات غامضة تذكرنا بسلسلة مغامرات المفتش الشهير "شارلوك هولمز".
ربما يسخر مني بعض القراء وهم يقولون: يارجل، لماذا تستكثر على بعض مسؤولينا أن يتقمصوا شخصية المرحومة "أجاثا كريستي"؟، ولماذا لا تريد أن تؤمن بأن من حقهم أن ينافسوا شارلوك هولمز وحكاياته بالإثارة وسعة الخيال المشهورة في العالم كله؟.
منذ سنوات ونحن نعيش في أجواء سلسلة مثيرة من روايات المفتش العام الغامضة، وكان العراقيون يظنون أن همة الدولة ترسيخ القانون وتطبيقه على الجميع، لكن اللحظة التي تمت فيها تبرأة فلاح السوداني وجمال الكربولي، أثبتت أن العراقيين يعيشون عصر الفرهود المنظم.
تعلمنا من الأحداث التي مرت بالعراق أن اللص الكبير يحتفظ لنفسه بالحصانة الكاملة. بدليل أن مليارات الدولارات ذهبت إلى جيوب مسؤولين كبار دون أن يقول لهم أحد: من أين لكم هذا؟.
الارتباك والتلعثم واضحان في التعاطي مع سرقة القرن، التي اكتشفنا أن النائب السابق هيثم الجبوري تفضل، مشكوراً، وأعاد مبلغ أربعة مليارات دينار عراقي، وأنه سيحتفظ بالمليارات الباقية، ثم عرضوا لنا المبالغ لكي يطيل المواطن النظر إليها، ويؤمن بأننا دولة قانون. تخيل جنابك أن نائباً سابقاً يلفلف عشرات المليارات من الدولارات فقط لأنه مارس لعبة الابتزاز والصوت العالي في البرلمان والبكاء على أموال الفقراء.. في بلد أخبرنا مجلس وزرائه أن عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر بلغ عشرة ملايين مواطن.
عندما يستسهل المسؤول الكبير، السرقة والنهب وإثارة الفتنة الطائفية، يصبح كل شيء آخر بسيطاً او مبسطاً. كالسطو على مال الغير وبث الفساد في مؤسسات الدولة .
في هذا المكان صدعت رؤوسكم بحكاية هيثم الجبوري الذي طالبني ذات يوم بدفع مليار دينار لأنني شوهت سمعته ،وعندما سخرت من ضخامة المبلغ، لم أكن أتوقع أن المليارات تتقافز بسهولة في جيوب هيثم الجبوري.