فيصل لعيبي لندنالمدى الثقافي افتتح أمس الأول 25/ تموز في قاعة المركز البولوني في لندن المعرض الاستذكاري للفنان الرائد حافظ الدروبي.. والذي نظمته عائلة الفنان الراحل، إحياءاً لذكرى وفاته التاسعة عشرة.الفنان العراقي المقيم في لندن فيصل لعيبي ألقى الضوء على المسيرة الإبداعية لهذا الفنان الرائد بمقال خص به المدى.
في عام 1914 و في محلّة الصدرية - زقاق العزّة، ولد (حافظ حسن الدروبي)، في وسط عائلة متوسطة الحال ومعروفة بالتدين والعلم، حيث كان والده من شيوخ الطرف ، أما والدته فهي من عائلة الجادرجي الموصلية. توفى والده وهو في سنواته الأولى ، فتولى عمه رعايته، فكان يتيماً منذ صغره . وعندما كان في الرابعة من عمره شاهد دخول البريطانيين بغداد، ورأى كيف ينثر المحتلّون النقود على الناس المتجمعين لمشاهدة هذا الجيش الجرّار المتنوع الأعراق والديانات، الذي يضم الهنود والفرس والأفارقة والآسيوين، إضافة الى الإنكليز أنفسهم.لقد تحررت بغداد من العثمانيين ، لكنها دخلت تحت حماية البريطانيين هذه المرة.كانت هذه الحادثة، أول الدروس التي تعلمها الطفل حافظ عن عزّة النفس، عندما منعه عمّه من إلتقاط النقود من الأرض حين وصولها عند قدميه، أثناء نثرها من قبل جنود الإحتلال، وهم في طريقهم الى قلب بغداد.كان العراقيون مبتهجين بالخلاص من سيطرة العثمانيين، لكنهم لم يكونوا فرحين بإحتلال بريطانيا للعراق.بدأ عهد المعرفة في الكتاتيب التقليدية، حيث تعلم القرآن في (جامع الألفي) المجاور لمحلته، على يدي (ملاّ بهيّة وملاّ محييّ) ، وبسبب يتمه المبكر، كان محط الرعاية والإهتمام، فكان كما يقول : " مدلّل العائلة "، فبدأت منذ الصغر روح الإستقلالية لديه، وهذا ما يفسر تفرده عن زملائه من الفنانين بعد ذلك، ليختط له طريقاً مختلفاً عما كان يجري في بغداد من نقاشات حول الفن وحرية الفنان واسلوب الرسم المطلوب.لقد تفتحت مواهب( حافظ الدروبي ) الفنية ، عندما لاحظ والدته وهي تطرّز أغطية الفراش والمناضد ووسائد الأرائك وأسرّة النوم، وكم بهرته تلك الخيوط الملونة والجميلة التي تتحوّل على يد امه الى طيور وأزهار وكلمات خضراء على هذه الحاجات المنزلية.في مدرسة العوينة، تعلّم حافظ الرسم على يد( الأستاذ توفيق الشيخ أحمد الشيخ داود)، الذي كان يدرّس الرياضة والرسم معاً. ثم تتلمذ على يد( الأستاذ عبد الكريم محمود )، الذي أكتشف فيه حب الرسم وفضول التعلم ثم تعرفه على أسماء بعض الرسّامين المهمين من خلال أخيه ( عبد الواحد الدروبي ) الذي كان يعرف ( محمد خضر و أكرم شكري وإسماعيل السامرّائي ) ، وقام بإستنساخ لوحة السامرّائي : ( شخصان يدخنان النارجيلة ) وهو لم يكمل الإبتدائية.بعد إكمال دراسته الإبتدائية يدخل حافظ الثانوية، التي تقع في القرب من القصر العبّاسي، فيتعرف على ( الأستاذ شوكت سليمان الخفّاف ) الملقب ب: ( شوكت الرسّام ) الذي كان ، أستاذاً للعديد من فناني بغداد المهمين.في هذه الفترة يبدأ الدروبي برسم المواضيع الشعبية، وفي نفس الفترة يجرّب الرسم بالألوان الزيتية، وبينما ينهي ( اكرم شكري ) دراسته الثانوية ويذهب في بعثة لدراسة الفن الى بريطانيا، يعيد(حافظ الدروبي ) الصف مرتين بسبب شقاوته وعناده .في عام 1931 ، يقام المعرض الصناعي – الزراعي ببغداد، ويضم فعاليات المدارس، فتدخل أعماله الى جانب أعمال الفنانين الذين ساهموا في المعرض، ويتعرف على ( فائق حسن ) الذي كان في الصف السادس الإبتدائي آنذاك وكذلك على (جواد سليم ) الذي كان عمره لا يتجاوز الثانية عشر عاماً. ومن الجدير بالذكر ان (الفنان اكرم شكري ) أرسل لوحته الشهيرة :(ضباب لند )، التي تعتبر أول لوحة إنطباعية عراقية ، وهي تنفي أثر الفنانين البولون على الفنانين العراقيين فيما يتعلق بتعرفهم على الإنطباعية ،لأنها مؤرخة في عام 1931 والبولون وصلوا العراق عام 1943، وهذا ما سوف يتكلم عنه (حافظ الدروبي) في محط ذكر ميوله الإنطباعية، إذ يؤكد تأثره بلوحة (ضباب لندن).تخرج حافظ الدروبي من الثانوية عام 1932، لكنه لم يذهب في بعثة كان يتمناها، بل تعين موظفاً في مديرية الطابو، إلا أنه بسبب طبعه المختلف عن روح الروتين والطاعة البيروقراطية، لم يتحمل إسلوب العمل فيها فقدم إستقالته منها، معطياً لهوايته في الرسم وقتاً اكبر ومتوجهاً الى الطبيعة لرسمها بالألوان مباشرة ، وفي نفس الوقت يتم تعيينه مدرساً للرياضة البدنية في (مدرسة التفيض الأهلية)، حيث يتعرف على الفنان (عطا صبري) زميله في المدرسة ومدرّس الرسم فيها.كان الفنان حافظ الدروبي الى جانب حبه للرسم ، رياضياً وموسيقياً يعزف على آلتي(العود والكمان) وهاوي تمثيل أيضا، لكنه يقدم على أجرأ حدث في عام 1936، لم يقم به غيره من الفنانين ، إذ يقيم المعرض الشخصي الأول له وهو أول معرض شخصي لفنان عراقي، يحتوي المعرض على عشرين عملاً في مختلف المواضيع ، التي كانت شائعة في ذلك الوقت. ويعجب رئيس الوزراء(ياسين الهاشمي) بأعمال الفنان، ويأخذ عملاً من اعماله كهدية، يقدمها له وزير المعارف، مما سهّل وقرّب فرصة الذهاب ببعثة فنّية لدراسة الفن في اوربا، وفي نهاية العام يتم قبوله في
في ذكرى رحيله التاسعة عشرة..حافظ الدروبي.. فنان من طراز خاص
نشر في: 26 يوليو, 2010: 05:50 م