ماثيو بلتيير*
ترجمة :عدوية الهلالي
الفردية هي مفهوم فلسفي وسياسي وأخلاقي واجتماعي حيث يحتل الفرد المكانة المركزية ، على عكس النظريات الكلية ، والتي على العكس تجعل المجموعة الاجتماعية هي المهيمنة. لذلك فهي ترجح أولوية الهوية الشخصية على الهوية الجماعية.
وغالبًا ما يتم الاستهجان من النزعة الفردية في مجتمعنا ، فهل هي حقًا مشكلة؟ نحن غالبًا ما نرتكب العديد من الأخطاء حول مفهوم الفردية هذا.ومن تلك الاخطاء الاحتفاظ فقط بمعناها الحالي والمحدود ، أي معنى الفرد الأناني. وفي هذه الحالة ، يتم الخلط بين الفردية والأنانية.
اما المأزق الآخر فهو الإبقاء فقط على الأخطار التي تصاحب صعود الفردية ، من خلال أزمات المجتمع الحديث ، أو حتى الانحدار المعلن لهذه المجتمعات. لأنه أيضًا عامل ديناميكي ، لبناء مجتمع جديد ، لا تتعارض فيه الحرية بالضرورة مع التضامن وحيث لا تؤدي الاستقلالية بالضرورة إلى العزلة.
وأخيرًا ، نميل دائمًا إلى الاعتقاد بأن الفردية لا تزال تتطور والتي ، في الواقع ،و وفقا لبعض المؤشرات الاجتماعية ، فهي آخذة في الازدياد.
وبشكل عام ، يمكن تعريف الفردية بأنها عملية يحرر فيها الفرد نفسه أكثر فأكثر من القواعد والقيم النابعة من الوعي الجماعي.فهي بالمعنى السياسي ، مفهوم للحياة في المجتمع يكون الفرد بموجبه هو القيمة المركزية ، ومن هنا تأتي الأهمية المعطاة للحريات الفردية والحقوق والشخص. أما بالمعنى الاجتماعي ، فيصبح الفرد مستقلاً فيما يتعلق بالقواعد الجماعية والمعايير التي يفرضها الآخرون.
ومع ذلك ، يمكن الاشارة الى اربعة مخاطر رئيسية مرتبطة بالفردانية، فهي خطر على الديمقراطية ، وقد رأى الفيلسوف ألكسيس دي توكفيل فيها بالفعل انسحابًا إلى المجال الخاص وبالتالي التخلي عن المجال العام والمشاركة في حياة المجتمع. وهذا الانسحاب يمكن أن يفسح المجال لشكل من أشكال الاستبداد الناعم، حيث يتم الاعتناء بالأفراد ولم يعد يمارسوا سلطتهم كمواطنين.وهي تهديد للتماسك الاجتماعي. وقد أثار الفيلسوف إميل دوركهايم ، في نهاية القرن التاسع عشر ، في مواجهة تدهور المجتمع الريفي التقليدي والمؤسسات مثل الكنيسة ، مسألة احترام القيم والمعايير المشتركة. وأشار إلى خطورة رفض ما يفرضه الآخرون ورفض أي عقبة أمام الخيارات الشخصية والفردية. كيف ننجح في تحقيق التماسك الاجتماعي ، عندما يتطور الجميع بطريقة خاصة وبشكل متزايد؟وهي أيضا تمثل خطر النهاية المحتملة للتغيير الاجتماعي والحركات الاجتماعية بشكل عام. اذ تطرح الفردية مشكلة العمل الجماعي. فلكي تكون هناك حركة اجتماعية ، فأنت بحاجة إلى هدف مشترك ، وقيم مشتركة ، وعالم أحلام مشترك ، ويبدو أن هذا ليس هو الحال في هذه الأيام.
اما الخطرالرابع فهو خطر نفسي ،والذي أشار إليه آلان إهرنبرغ في كتابه (تعب الذات). فبالنسبة له ، إذا نمت الفردية ، فمن المؤكد أن الفرد يكتسب الحرية ، لكنه في الواقع يفقد الصلابة واليقين ، لأنه يصبح مسؤولاً عن أشياء متعددة في بناء حياته. وهذا يجعله هشًا وقلقًا ومسؤولاً عن العديد من الخيارات المعقدة لنجاحه ، والتي يمكن أن تفسر انفجار الاكتئاب وحتى الانتحار اليوم.
من الواضح اذن أن الفردية موضوع معقد ودقيق. وبهذا المعنى ، فالفردية إيجابية إلى حد ما لأنها تتوافق مع شكل من أشكال التحرر ، كما هي النسوية اليوم.لكن هنالك انتهاكات وسلوكيات غيرمسؤولة للحرية الفردية كما فعل اعضاء بعض المؤسسات الأمريكية عندما رفضوا ، باسم حريتهم الفردية ، التطعيم ضد كوفيد. وبالتالي مارسوا الحرية أيضًا في إصابة الآخرين.كما تم تطبيق هذه السلوكيات ايضا خارج المجال الصحي وانسحبت على العديد من الظروف الأخرى للحياة اليومية حيث ، أيضًا “باسم الحرية الفردية” ، يتم رفض أي تحذير بشأن عواقب الأفعال الخاطئة ، كاستخدام الهاتف أثناء القيادة ، والمواعيد الطبية التي لا يتم احترامها دون سابق إنذار ، والدراجات البخارية المجنونة على الأرصفة ، والحفلات الصاخبة على المدرجات ، وإلقاء الأشياء أو أعقاب السجائر في أي مكان ، والمضايقات والتهديدات والتشهير في الشبكات الاجتماعية ، ورفض الامتثال والاعتداء على رجال الإطفاء أو الأطباء أو المدرسين ، دون أن ننسى الحريات التي تمت ممارستها وفق مبدأ المؤامرة فالقائمة طويلة لجميع هذه الانتهاكات والاستخدامات غير المسؤولة للحرية الفردية وتستند على نظرية “أنا حر في فعل ما أريد دون القلق بشأن العواقب أو المنع من القيام بذلك”.وكل هذه السلوكيات ناتجة عن عدم القدرة أو الرفض المتعمد لتحمل أي قيد من أي نوع ، لاحترام القواعد الأساسية للحياة في مجتمع مفتوح ، لأنها اعتبرت غير مجدية أو تعسفية أو مسيئة أو قاتلة للحريات. وبالتالي ، فإن ما يحدث أمام أعيننا هو انحدار طفولي جماعي وبالتالي استخدام خاطيء لمفاهيم الحرية الفردية ، والتي أصبحت سمة رئيسية لما بعد الحداثة.
لكن الحرية الفردية الأصيلة لا يمكن أن تستمر دون أن تكون مبنية على حرية داخلية أولية تغذيها العقلانية والمسؤولية ، والتي تجمع بين ضبط النفس والاهتمام بالآخرين.عندها يمكننا أن نتذكر أنه باسم هذه الحرية الفردية ، فإن الشيء الأساسي هو تحديد ما يمكن ممارسته منها بشكل صحيح.
بروفسور في الاخلاق والفلسفة
