صبيح الحافظ في تقرير متلفز بثته إحدى الفضائيات يظهر لنا ان كابسات النفايات الآلية والعائدة إلى أمانة بغداد وهي ترمي حمولتها في المنطقة المحددة نشاهد مجموعة كبيرة من الصبيان والشباب من كلا الجنسين بما فيهم عدد من النسوة الكبار يتسابقون فيما بينهم لنبش أكوام تلك النفايات وهم يفتشون عما يريدونه من العلب المعدنية وأكياس النايلون وقطع البلاستك وغيرها من المفيدات .
حقيقة ان كل من شاهد هذا المشهد حتماً سيصاب بالغضب والألم والخجل المذل.وفي مشهد أخر وفي وسط المدينة نرى جموع المتسولين وبائعي الأرصفة من الأطفال وكبار السن من النساء والرجال بمن فيهم أعداد كبيرة من الشباب الخريجين الذين لم تتح لهم فرصة التوظيف منتشرين في شوارع المدن.وإذا ما ذهبنا الى الأسواق الشعبية لشراء محتويات السلة الغذائية اليومية سنرى صورة أخرى تتمثل بوجود عشرات الصبيان الصغار وهم يبيعون أكياس النايلون وآخرون مثلهم يدفعون العربات اليدوية لنقل مشتريات المتسوقين إلى بيوتهم ، فأن هؤلاء الأطفال تركوا المدرسة متسربين منها في سبيل حاجة أسرهم لأسباب المعيشة ومكافحة الفقر وهم غارقون فيه.هذه بعض صور الفقر في بلد تضاء سماؤه ليلاً ونهاراً بالغاز والنفط ، فهل يعود هذا التناقض الى الأحداث التي تلت سقوط النظام السابق ؟ أم انه يعود الى حقبة تاريخية أبعد من ذلك ويعتقد بعض خبراء الاقتصاد ومن بينهم مناف الصائغ ، ان مشكلة الفقر في العراق ليست وليدة اليوم بل ان جذورها تمتد الى ما قبل عام 2003 ، ويعلل الصائغ ذلك بأن النظام السابق كان ينتهج سياسة اقتصادية خاطئة حيث اهدر مليارات الدولارات في شراء الاسلحة لاستعمالها في حروبه مع الجيران ، وأضاف الصائغ في تصريحات صحفية لوكالة الانباء الالمانية نرى العراق قد اعتمد على الثروة النفطية فقط واهمل تنمية القطاعات الاخرى كالصناعة والتجارة والزراعة ، وما ينتج عن ذلك من زيادة معدلات البطالة والفقر لانعدام فرص العمل ، هذا وبعد عام 2003 واجه العراق مشاكل جمة في مقدمتها انعدام الامن والاستقرار ودمار أجهز على ما تبقى من البنية التحتية أثرت بشدة على عملية تنشيط الاقتصاد العراقي بشكل سريع.ويستمر الصائغ بالقول ان غياب الأطر والبرامج الاقتصادية الناجعة ارتفع عدد العراقيين الذين يعيشون تحت خط الفقر الى قرابة سبعة ملايين شخص ، وفق احدث إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء وهذا الرقم يشكل نسبته (23)بالمائة من العراقيين ، وهذا الأمر يشكل تحدياً حقيقياً أمام الحكومة العراقية ، وفي هذا الإطار يرى الصائغ ان من الضروري بناء ستراتيجية واضحة لمحاربة الفقر ،(تقوم على عدالة توزيع الثروات ورفع مستوى الدخل بشكل واضح وتحسين المستوى الصحي للفقراء وإيجاد حماية اجتماعية فعالة) ويختم الصائغ تصريحاته بقوله ان السبعة ملايين عراقي من الفقراء تحملوا الانتظار طويلاً حتى يخرج البلد من مأزقه السياسي الراهن ، وربما يجنون يوماً شيئاً مما يحترق في سماء بلادهم. ان معالجة آفة الفقر المتجذرة في العراق تنحصر في حزمة من القرارات منها إزالة الفوارق الطبقية او تضييقها على الأقل وذلك من خلال توزيع الثروات الوطنية بصورة متساوية وعادلة ، حيث نرى ان حصة الفرد العراقي من الناتج الوطني للطبقة الفقيرة تبلغ(2)دولارين في اليوم الواحد يقابلها في الطبقات العليا أضعاف مضاعفة لا نستطيع تحديدها برقم معين ، ويتم معالجة هذه النقطة من خلال القضاء على البطالة وذلك بتوفير فرص عمل للخرجين ، مع إعادة النظر في الرواتب والمخصصات للوظائف العليا مع إلغاء الوزارات الزائدة مع دمج بعضها وذلك لتوفير ما يصرف عليها من رواتب وأثاث ومستلزمات أخرى، كالسيارات والأبنية وما شابه ذلك.ومن الأمور التي تتطلبها أيضاً معالجة ازمة السكن التي تستنزف مدخولات الطبقة الفقيرة وكذلك معالجة الحالة الصحية للمواطنين وذلك بالإكثار من إنشاء المراكز الصحية والمستوصفات وخاصة في المناطق الريفية مع الأخذ بالقطاع التعليمي وذلك ببناء المدارس في الريف أيضاً مع توفير المعلمين والمستلزمات الأخرى مع تفعيل تطبيق قانون التعليم الإلزامي.وأخيراً وليس أخراً ان معالجة آفة الفقر لم تكن ضمن مسؤولية الحكومة فقط وإنما تكون من مسؤولية منظمات ومؤسسات المجتمع المدني أيضاً.
القضاء على الفقر من خلال تضييق الفوارق الطبقية
نشر في: 26 يوليو, 2010: 05:54 م