عبدالمنعم الأعسم
يطلق سياسيون ودعاة وكتبة عراقيون، انصاف متعلمين، الدعوة الى "البراغماتية" كوسيلة شرعية في التنافس على المواقع والامتيازات، والبعض (ظهر على شاشة ملونة منذ أيام) زعم ان العالم كله يسترشد بالليبرالية، النفعية، فيما ذهب غيره الى التبشير بنوع عراقي "محسن" من البراغماتية على اساس المحاصصة و"اسكت عليّ اسكت عليك" مقابل (هناك) مَن يشتم البراغماتية بعد ان يضمها،
جهلا، الى العولمة والليبرالية والشيوعية والكوسموبوليتية والسادية والوجودية والاباحية، والبعض الآخر يحيطها بريبة، من جنس الريب التي تحاط بها، عادة، الاصطلاحات الاجنبية الغريبة، فكل ما يأتي من ما وراء المحيط يجب التوجس منه والتحسب من أخطاره على العقول.. وكأنهم اكتشفوا البراغماتية، اكتشاف "لقطة" مفقودة منذ الف عام.
وطبعا، ثمة من كان قد رفع شعار البراغماتية منذ عقد من السنين في ظروف اختلطت فيها الشعارات ببرك الدم، وعدّها صاحب السلطة آنذاك الوصفة المناسبة والفلسفة السياسية المطلوبة وخشبة النجاة للوصول الى الولاية الابدية المنشودة، فوظفها في غير موضعها، واستند فيها الى تعريفات من غير سياقها، وصعد فيها، ومنها، الى صورة ساذجة تبيح "اللعب على الحبال" باعتبار ذلك جوهر البراغماتية ومعناها في التطبيق.
واليوم، في هذا الجو من التضبيب والاضطراب المفاهيمي والسياسي، لزم التذكير بان البراغماتية توصيف ابتدعه النموذج الامريكي في الحياة السياسية. انها الطبيعة الامريكية في التصرف واسلوب العمل، وهي –في تعريفاتها المدرسية- تعني الوسيلة العملية او الذرائعية او التبريرية التي تحقق فائدة آنية، ولا يهم ان تتم بمختلف الآليات غير الاخلاقية، لكنها القانونية في ذات الوقت، وبمعنى آخر هي العمل اللاأخلاقي في اطار القوانين المرعية.
ويختصر "ساندرس بيرز" مؤسس المذهب البراغماتي (اواخر القرن التاسع عشر) مذهبه بالقول ان جدوى اي مشروع وفكرة تتحدد في نتائجها، وقد ساعدت هذه التأويلات في تفريخ واطلاق مذهب "الغاية تبرر الواسطة" الى ابعد مديات الاتساخ السياسي. على ان الكثير من الدراسات والمعاهد العلمية الرصينة ترفض الفلسفة والوصفة والتطبيقات البراغماتية وتطعن في نظرية "النتائج هي الاهم" وتُحذر من انتشار نزعة اقصاء الاخلاق عن السياسة..
والان وصلنا (على ايدي ساسة مرحلة الانحطاط) الى بيت القصيد الذي يدق ابوابنا بهوس الاستقتال على المنهوبات والمناصب، وقائلهم يقول "جميع الاساليب مشروعة ما دامت وفق القانون".. ثم.. "المهم النتائج".. لكنهم، وعلى هدى النسخة العراقية من البراغماتية، لا يقبلون بجميع النتائج وبعلاتها وافرازاتها وهزائمها.. فان بعض النتائج دونها الحرب.. وقطع الرقاب.
استدراك:
"كن سيد الأفكار لا عبدها"
إدوارد ليتّون
جميع التعليقات 1
راغب البجاري
وفي آخر المطاف ستكون النهاية سيئة ومرعبة إلى أبعد حد...أما لهم او لنا، لعله الأجيال القادمه ستحدد..