TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > العراق عبء على الخارطة!

العراق عبء على الخارطة!

نشر في: 11 يناير, 2023: 10:29 م

بزورك محمد

ودَّع العراق عام 2022 مثقلا بأزماته ومشكلاته المفتعلة والمتراكمة ليدخل عقده الثالث مترنِّحا من تحت هيمنة وسطوة الأحزاب والقوى التقليدية المفلسة شعبيا وفكريا والمزودة بإيرادات النفط والمدعومة خارجيا، لعلَّ أن يكون العام الجديد عاما لإعلان موت الخارطة المشؤومة حيث لا سيادة ولا قرار في بلد صار يُشبه بعراء ناءٍ! أكثرَ من أن يكون دولة ذاتَ السيادة، لتصبح عبئا ثقيلا على خارطة العالم بعد أن كان نموذجا يُحتذى به في المحافل الدولية.

على مدى العشرين سنة الماضية شهد العراق أحداثا ومراحل صعبة في غاية التعقيد وهي لا تُبقي ولا تذر، من الحروب الطائفية والهجمات الإرهابية وعمليات عسكرية لتدمير المناطق في سبيل تحريرها! وصولا إلى سرقة و تهريب مليارات الدولارات من قبل الأحزاب المتنفذة وسط ترويجات مخالفة للأعراف والأديان والتقاليد الإجتماعية للمثلية تحت ذريعة الديمقراطية “المزيفة”، أثبتت تلك الأحداث أن خارطة العراق مجرد فقاعة على الأقل خلال العقدين الأخيرين في ظل التدخلات الخارجية وهيمنة القوى الإمبريالية وصمت البعثات والهيئات الدبلوماسية الدولية التي هي الأخرى شريكة مع القوى والأحزاب السياسية لتستنزف الأموال العامة.

القنوات الإعلامية والصحف والإذاعات عامل آخر لتغلغل الفساد و تفاقم الأزمات وسرقة الأموال العامة، قنوات وصحف ومحطات خبرية بالمئات فارغة و مضللة في النهج تدار تحت مسميات «مستقلة و حرة» تعمل على صناعة شخصيات بهلوانية «بالونية»، وهي قائمة على الأموال العامة والإيرادات النفطية، مهمتها ترويج لتلك الأحزاب والأطراف السياسية المتسلطة لتحويل الرعية الى رعاع وعبيد للشعارات الدينية والحزبية، وفق أجندات إعلامية تندرج ضمن المقولة الشهيرة للثائر تشي غيفارا ؛ عندما تتبول السلطات على الشعوب يأتي دور الاعلام ليُقنعهم بأنها تُمطر!.

كم هي الجملة متطابقة ومعبرة عن الواقع الإعلامي الذي يُدركه ويشعر به المواطن في بلد الروافد والحضارات التي باتت غابرة وجافة ومتهالكة ، بل مدمرة في ظل جحافل الأحزاب والقوى السياسية وعبيدها من أراذل القوم في الداخل وأسيادها في الخارج.

وبحسب تقارير فإن ربع سكان العراق يعيشون تحت خط الفقر لتتفاقم الأوضاع المعيشية للمواطنين وانعدام الخدمات الأساسية وأنها تتزامن مع إزدياد أعداد جيوش النواب الفاسدين دورة وراء دورة، حيث تهمهم فقط مصالحهم الشخصية والحزبية من رؤساء المجلس إلى آخر موظف في الإدارة النيابية، وبعد تقاعدهم فإن النواب الفاسدين بكل أطيافهم وهوياتهم يعكفون على إدارة استثماراتهم لبناء مدن وقرى سكنية وناطحات سحاب من طراز المجمعات السكنية الأروبية، أو يغادرون البلد متلهفين ليتركوه غارقا في مستنقع الأزمات ولايرتبطون به سوى من خلال أرصدتهم المصرفية لاستلام رواتبهم الشهرية التي تقدر بملايين الدولارات هذا هو الفساد المقدس!

خلال عشرين سنة تخرج نحو 1.600 متقاعد فاسد من البرلمان لتكون ميزانية رواتبهم الشهرية نحو 10 مليارات دولار.

في إحدى أغنى الدول النفطية على مستوى العالم فإن نسبة الفقر تشهد ارتفاعات مضطردة والبطالة تتجاوز 6 ملايين عاطل عن العمل ، معظمهم من خريجي الجامعات والمعاهد، فضلا عن ارتفاع نسب التعاطي والتجارة بالمخدِّرات والأعضاء البشرية وازدياد الجرائم المنظمة و الاسلحة المنفلتة وصولا إلى تحويل بعض المناطق إلى بؤرة حرة للدعارة والجنس والكاوليات.

عندما نتحدث عن العراق ، إنما نتحدث عن بلد غارق في الأزمات والفساد وفاقد للرؤية الإقتصادية الحديثة ، دولة رَيعية معظم عائداتها تعتمد على النفط، لذلك فإن ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية يعد عاملا رئيسا لتعزيز مكانة الفساد وربح الفاسدين لجني ثرواتهم، وسط ترجيحات بأن تتجاوز الموازنة العامة للسنة الحالية 130 مليار دولار ما يجعل الموسم موسما دسما لممارسة الفساد ، كما أن الأرقام تتحدث عن عمليات فساد من قبل العصابات السياسية تُقدر بتريليون وستمائة مليار دولار 1.600.000.000.000 وهي تكفي لبناء دولة عصرية على إحدى صحاري القارة السمراء.

بحسب الاحصائيات الصادرة عن المنظمات العالمية ، فإن العراق يحتل الصدارة بنسبة تفشي الفساد وانعدام الشفافية بين دول العالم على الرغم من وجود الكثير من الدوائر الرقابية وهيئات النزاهة التي هي الأخرى باتت ممرَّا لتمادي عمليات الفساد.

عمليا انهارت الخارطة العراقية بفعل الأيدولوجيات القومية والطائفية والإثنية، في حين أن هذه السمات والقوميات كانت داعما أساسيا ليكون العراق ماتسمى “سلة الفاكهة” منذ بدايات تأسيسه يشار إليها لتماسك تلك القوميات بمباديء حسن المعاملة والألفة والمودة المتبادلة والتعايش السلمي.

على مدى العقدينِ المنصرمينِ تم طرح أفكار وحلول لمشكلة العراق، أبرزها تقسيم البلد إلى دويلات ثلاث على أساس القومية والطائفية “سنية في المناطق الغربية وشيعية في الوسط والجنوب وكردية في المناطق الشمالية” لكن تلك الفكرة لم تنجح ولو ترَ النورلا من أجل وحدة العراق، بل لأن مصلحة الأحزاب والقوى السياسية الرئيسة تقتضي بقاءهم معا في بلد هشِ فاقد للسيادة أولا؛ لتقاسم السلطات والإدارات والأموال المليارية من الدولارات، ثانيا؛ للتغطية والتستر على عمليات الفساد وتهريب الأموال، بحيث أن تلك الأحزاب والقوى تدعم و تَشحن بعضها البعض ضمن دورة في فلك السياسة لتَحول دون ظهور قوى وطنية لمقارعتهم وإزاحتهم من هرم السلطة، لكن على رأي المثل ؛ على من تقرأ مزاميرك يا داود؟

الشاعر ، شيركو بيكس يعبر في إحدى قصائده عن الحالة العراقية :

«على أحد الشوارع العامة

خلعت مومس ثوبها وقالت في صرخة ؛

أنا أبيع جسدي

أبيع ذاتي فقط

لكن أراهم على هذه الشوارع

بينهم من يبيع جسد الجبل..

وجسد السهل..

وجسد الحديقة..

وجسد الشمس ..

وجسد المطر ..

دون مبالاة..

وهم يتربَّعون على كرسي شرافة هذا البلد!»

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

"قوانين جديدة".. طالبان تعتبر وجه وصوت المرأة "عورة"

تشكيلة ريال مدريد المتوقعة لمباراة لاس بالماس اليوم في الليغا

اسقاط مسيرة تركية وسط كركوك

الضفة الغربية.. الاجتياح يتواصل لليوم الثاني وارتفاع حصيلة الشهداء

الصحة: لا توجد مبررات كافية لإدخال لقاح جدري القردة إلى البلاد

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram