TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > العدد سبعة في الأسطورة والدين

العدد سبعة في الأسطورة والدين

نشر في: 11 يناير, 2023: 10:31 م

سلام حربه

من يدقق في حياة السومريين والبابليين سوف يصيبه العجب لما تركوه للبشرية من إرث علمي ومعرفي وأدبي منذ الآف السنين، ما زالت البشرية رغم التطور العلمي الحديث لا تستطيع اهمال ما توصل له العراقيون القدماء وما زالت كشوفاتهم العلمية سارية المفعول ولم تتحجر في عقول المجتمعات ولم تُهمل في النصوص الدينية السماوية بل ما زالت تشكل حجة وموضوعا اشكاليا سواء للباحثين في المختبرات أو الغارقين في النصوص الدينية. يبقى السؤال قائما ويحتاج الى ألف جواب وشرح وتأويل،

كيف استطاع السومريون قبل ثلاثة آلاف وخمسمئة سنة ق. م أن يتعرفوا على الكواكب السبعة ( الشمس ، القمر، زحل، الزهرة، المشتري، عطارد، والمريخ) وهم لا يملكون لا التلسكوبات الكبيرة ولا الاقمار الصناعية ولا المركبات الفضائية ليكتشفوا أن هذه الكواكب متحركة عكس النجوم التي هي في الابراج السماوية الاثنا عشر ثابتة ولن تتحرك، الكواكب المتحركة تدخل هذه الابراج وتدور فيها وتترك تأثيرات كبيرة عليها وعلى الارض يفرضها كل كوكب لأن لكل منها وظيفته الكونية وبسببها ظهر عند السومريين علم الفلك والتنجيم.

هم أول من اكتشف نظام العدد الستيني في قياس الزمن والخطوط الجغرافية ودونوا كل كشوفاتهم على الواح طينية وقد اكتشف العلماء لوح عشتار، ثلاثة وستين رقيم طيني قبل أكثر من ألف عام ق.م، وهو أقدم لوح فلكي يراقب حركة كوكب الزهرة. هذه الكواكب السبعة اعتبروها مساكن لآلهتهم وهي التي تتحكم بكل الظواهر الارضية وسلوك البشر وتقلّب أمزجتهم وتتحكم بمعتقداتهم وفلسفاتهم وقاموا بتقديم النذور لها وربطوا كل كوكب باله من آلهتهم ( الشمس مرتبط بالاله شمش، القمر بالاله سين، زحل بالاله نينيب، الزهرة بالالهة عشتار، المشتري بالاله مردوخ ( بل )، عطارد بالاله نابو الحكيم، المريخ بالاله نيرغال ) ثم قام السومريون بعبادة هذه الكواكب وتقديم النذور لها ومن هنا حصل التقديس للعدد سبعة ودخل هذا التقديس في كل الحياة البشرية وفي كل الافكار والتمثيلات المادية والمعنوية منذ آلاف السنين وحتى يومنا هذا حتى أنه أصبح عصب حياة ووجود.

عملية الخلق عند السومريين والبابليين استمرت لمدة سبعة أيام وهذا ما نُقل الينا في اسطورتي الخلق السومرية والبابلية، اسطورة الاينوما ايليش البابلية مسجلة على سبعة الواح في سبعة أيام، حيث خلق الاله الكون وموجوداته في ستة أيام واستراح في اليوم السابع واصبح هذا العدد مركزيا قامت عليه كل الحضارة السومرية فهناك الحكماء السبعة الذين بعثهم الاله ( أيا ) في أزمان ما قبل الطوفان على اشكال السمك متوجهين من المياه العميقة ( الأبسو ) ليعلموا انسان سومر فنون الحضارة وبناء الأسوار حول المدن للدفاع عنها و تطوير الصناعة، هناك سبعة ابواب للعالم السفلي، وتم بناء السفينة في اسطورة الطوفان السومرية في سبعة أيام وتتكون من سبع طوابق والسفينة استقرت على الجبل في اليوم السابع وأسفار هذا العدد المبارك لا حصر لها. السومريون اصبحت عندهم أياما مقدسة وهي نهايات الاسبوع الذي يتكون من سبعة أيام ونتيجة ولادة قمر جديد في الايام ( 7،14،21،28 ) وكل رقم يمثل نهاية اسبوع من الشهر القمري ولا يعملون في هذا اليوم خوفا من الشرور فحصلت عطلة السبت العبري عند اليهود، والجمعة عند المسلمين والاحد عند المسيحيين وارتبط العدد سبعة بالعبادات عند الشعوب، وقام الملوك السومريون والبابليون والاشوريون بتجسيد العدد سبعة المقدس في معابدهم، الملك كوديا ملك لكش السومرية بنى معبدا مكون من سبع غرف والاحتفال فيه لمدة سبعة أيام وكذا الحال بالنسبة للبابليين في معابدهم، وفي اربيل عاصمة الامبراطورية الاشورية بنى الملك الاشوري وعلى قلعة عالية معبدا من سبعة اقسام لعبادة الالهة عشتار( كوكب الزهرة ) وهي ما تسمى اليوم بقلعة اربيل.

لقد قام السومريون بتسمية أيام الاسبوع حسب ارقامها ( الاحد يوم الشمس، الاثنين يوم القمر، الثلاثاء يوم المريخ، الاربعاء يوم عطارد، الخميس يوم المشتري، الجمعة يوم الزهرة، السبت يوم زحل، لقد استنسخت الاقوام هذه الايام السومرية، الانكليز وضعوا أسماء الأيام حسب أسماء الكواكب باللغتين اللاتينية والاغريقية ( سندي الاحد يوم الشمس، موندي الاثنين يوم القمر، تيوزدي الثلاثاء يوم المريخ نينرغال السومري يعادله الاله تيوز الاسكندنافي، وونزدي الاربعاء واسمه مرتبط بالمعادل الجرماني لعطارد الاله اودين ) وهكذا بالنسبة لباقي ايام الاسبوع عندهم . ان هذه الكواكب السبعة تدور بحركة منتظمة حول محور مركزي يشبه الجبل يكون مقدسا أيضا لأنه مسكنا رمزيا للاله، وهذا ما عملت عليه بعض الشعوب في تقديس بعض الجبال كما في جبل الأولمب عند الاغريق، هذه الحركة المنتظمة حول المحور المركزي المقدس شكلت سبعة مدارات ومنها انبثقت فكرة السماوات السبعة وابوابها وعلى هذا الاساس اقام السومريون والبابليون معابدهم الشبيهة بمظهر الجبل كما في زقورة اور، هذا المعبد الرمزي الذي يسكنه اله القمر سين وغيرها من الزقورات والاهرامات للالهة الاخرى تتكون معظمها من سبع طبقات يقوم الناس بالطواف حولها سبع مرات للوصول روحيا ووجدانيا الى الاله الاعلى الذي يُعبد ويوجد في احد الكواكب السبعة ( السماوات السبع ) كدورة الكواكب حول المحور المركزي.

لقد انتقلت هذه العبادات الى الاديان كلها وفي كل بقاع الارض. لقد مارس العرب القدماء الطواف والسعي بين الصفا والمروة سبع مرات وما زال هذا الطقس ساريا حتى يومنا هذا، كذلك عند حج بيت الله الحرام في مكة المكرمة، في زمن الاسلام، وطواف الناس حول الكعبة كي تصل صلواتهم وادعيتهم الى الله سبحانه وتعالى في طبقات السموات العليا. في الديانات الابراهيمية ( اليهودية والمسيحية والاسلام ) قد ذكر العدد سبعة في نصوص دينية كثيرة، فقد ابتدأت التوراة بذكر هذا العدد في سفر التكوين، الاصحاح الثاني ( فاكتملت السماوات والارض وكل جندها وفرغ الله في اليوم السابع )، وقد ذكر العدد سبعة حوالي ستمائة مرة في الكتاب المقدس، أما في المسيحية فقد ذكر العدد سبعة مئات المرات، في انجيل مرقس من العهد الجديد..( أخرج سبعة شياطين من مريم المجدلية)..

كما قسم أهل النصرانية العالم الى سبعة عصور ( الاول من ادم الى الطوفان، الطوفان الى ابراهيم، ابراهيم الى موسى ، موسى الى داود، نهاية دولة اليهود في القدس، والسبي البابلي ( 597ق.م )، جلاء بابل الى عصر المسيح)..

اما في الدين الاسلامي فقد أُفتتح القرآن الكريم بسورة الفاتحة التي تتكون من سبع آيات ، قال الله تعالى في كتابه العزيز في سورة الحجر ( وقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) ، لقد تم ذكر العدد سبعة في النصوص القرآنية المقدسة عشرات المرات وهذا يدل على قدسية هذا العدد في الديانات السماوية وحتى في الديانات الارضية..ما أسسه السومريون من معارف وعلوم واصول حياة لكل البشرية منذ ان ظهر الانسان على هذه الارض وحتى يومنا هذا يؤكد ان هؤلاء القوم كانوا بشرا غير عاديين قد ينحدرون من سلالة الانبياء وقد أخبرتنا الاحاديث القدسية أن هناك مئة واربعة وعشرين الف نبي ورسول لان ما دونه السومريون خارق وعبقري حتى بعد كل هذه الالاف من السنين وعلى العراقيين أن يسجدوا ويقبلوا عتبة اجدادهم السومريين وحقا قد صدق الشاعر العراقي حين وصف كل عراقي بأنه حفيد نبي..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. يوسف شيت

    مقالة رائعة جديرة بالاهتمام كونها مدخل لدراسة الأديان وتطويرها والبحث في شؤون الفضاء

يحدث الآن

"قوانين جديدة".. طالبان تعتبر وجه وصوت المرأة "عورة"

تشكيلة ريال مدريد المتوقعة لمباراة لاس بالماس اليوم في الليغا

اسقاط مسيرة تركية وسط كركوك

الضفة الغربية.. الاجتياح يتواصل لليوم الثاني وارتفاع حصيلة الشهداء

الصحة: لا توجد مبررات كافية لإدخال لقاح جدري القردة إلى البلاد

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram