TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > نهج النظم سبيل جيوستراتيجي للارتقاء بمستوى اقتصاد الخدمات

نهج النظم سبيل جيوستراتيجي للارتقاء بمستوى اقتصاد الخدمات

نشر في: 14 يناير, 2023: 09:47 م

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

يواجه العراق مجموعة تحديات معقدة تتجاوز الاطرالادارية التقليدية والجغرافية في ظل ظروف اقل ما يقال عنها تحمل رياحا غير متوقعة من التغيرات والمتغيرات على الصعد الوطنية، الاقليمية والدولية تستدعي الاستعانة بنهج النظم Systemic Approaches كسبيل للارتقاء بالخدمة الوطنية.

يرتبط نهج النظم بإدوار مؤسسات الدولة وامكاناتها “قدراتها” المادية والبشرية خاصة طبيعة المهارات التنظيمية لمن يتولون مقادير إدارتها من الكفاءات المناسبة التي لابد أن التكييف مع مختلف المشكلات والازمات أو التحديات الستراتيجية.

لعل اول شروط مواجهة التحديات أن يعمد كل من يتصدى للمسؤولية الوطنية الكبرى ببناء العراق الحديث إلى توحيد الصفوف وتعبئة الجهود والطاقات والمهارات المهنية المناسبة عبر مختلف المستويات الادارية. ترتيبا على ما تقدم فإن القيادة الناجحة تتطلب تشكيل رؤية إستراتيجية وصولا للنتائج المرجوة المتحققة فعليا على الارض. الامر الذي يؤكد أهمية الالتزام بالمبادئ القيم والعهود بل والوعود التي تقطعها حكومة الخدمة الوطنية للعراقيين جميعا من خلال التزامها بكافة بنود البرنامج الوزاري ضمن الاطار الدستوري دون تمييز وبعيدا عن كل ما له علاقة بالمحاصصة المقيتة مهما كانت الولاءات والمبررات التي تستعين بها لتوضيح رؤاها التي في النهاية ليست جزءا من الالتزام بحقوق المواطنة المستقلة الحرة.

من هنا ايضا، أهمية الاعلاء من شان العامل المهني والاخلاقي والقيمي كسمة اساسية يتصف بها كل من يتصدى للهم الوطني في ظل ظروف غاية في التعقيد والازمات المتراكمة. لعلنا نتفق عموما مع وجهات النظر الرسمية والشعبية بإن الفساد الاداري والمالي – الاقتصادي واقع في ظل مظلة تحميه سياسيا – حزبيا بل وعائليا – عشائريا وجهويا ما يعد عمليا من أخطر التحديات التي تواجه الدولة المدنية “دولة المواطنة التي ترفع شعارها “العراق اولا”. حال بأي حال لايختلف عن ضرورة المواجهة الجماعية الشاملة المطلوبة المستمرة للفساد بكل مضامينه واشكاله ومستوياته من اعلى الهرم السياسي – الاداري إلى أدناه تماما كمواجهة الارهاب بكل اشكاله وصوره، عملياته وتتظيماته الشريرة والخطيرة التي تؤثر سلبا على بناء وتنمية الامن المجتمعي – السياسي –الاقتصادي أو “الوطني – السيادي –الستراتيجي “ من هنا، أهمية اولوية المعالجة الجذرية لتحجيم الفساد الذي تجذر في ملفات حياتية متعددة فاقت الاربعين ذات مسميات ومضامين اجميعها ولاشك ترتبط بحقوق وحريات الانسان وبشكل ينعكس سلبا على تطور وداينمية وإزدهار العمل الاداري وعلى ما ينتظر منه من إنجازات وطنية تنموية إنسانية حقيقية يمكن تحديدها بالمحاور التالية:

اولا: التشخيص الموضوعي نسبيا لكافة مسارات التغير الايجابي بضمنها مسألة التقلبات السريعة للوقائع والاحداث التي تحتاج للتكييف المستدام معها بغية إيجاد حلول واقعية ناجعة تنعكس على مستوى ونوع حياة الانسان.

ثانيا: حالات عدم التيقن عن القادم من الاحداث خاصة وأن الكثير من النماذج الديمقراطية لازالت تفهم وتمارس الديمقراطية اسما او شكلا ولكنها خالية من المضمون السياسي - الانساني التنموي الحقيقي.

ثالثا: ظاهرة تعقيد الاوضاع الداخلية والخارجية بشكلها العام تصاعدت بصورة لابد من تجاوزها وفقا للمعايير الديمقراطية الحقيقية ممتزجة بالالتزامات القانونية او الدستورية.

رابعا: الصور الضبابية لاحداث العراق تحتاج للمزيد من الايضاح والتنوير خاصة وأن بعضها لايحتمل الاستناد إلى الشرعية القانونية والحوكمة السليمة الرصينة بل ولازال بعيدا عن الشفافية Transparency التي يفترض أن تطبق بشكل مبدئي و حازم وفقا للاعتبارات الدستورية والقانونية السليمة. بمعنى ضرورة تطبيقها مهنيا وعمليا من قبل السلطات الاربع المعنية – الرئيسة: التشريعية – التنفيذية والقضائية والاعلامية. الاخيرة تعد سلطة حيوية جدا في ظل إستثنائية الاهتمام بوسائل الاتصال التقليدي وغير التقليدي معا من خلال إعطاء وسائل الاتصال الاجتماعي المتنوعة - المتعددة والتي في مجملها تحتاج فلترة منظمة، معمقة وذات مصداقية للمعلومات التي تحصل عليها سلطات الدولة كي تسلط الاضواء بصورة ناصعة ضمن إطار قانوني يكشف عن المصادر الحقيقة المشروعة لمن يمتلك المعلومات الدقيقة نسبيا في مختلف المجالات الحياتية ولنقل في بعدها الجيوستراتيجي الشامل.

الحيرة التي تنتاب صانع القرار تتلخص بالعبارة التي تطرح التساؤل التالي: كيف يمكن التركيز على اولوية مواجهة المتغيرات المهمة والتي يعد قسما منها غير متيقن منه في وقت يجب أن تتم فيه معالجة شؤون شديدة التعقيد تفترض إيجاد حلول ناجعة ـ واقعية واضحة فب ظل تراكم وتجدد أزمات مركبة قسم منها يرجع لعهود تاريخية سابقة واخرى متجددة من نماذجها ما يتعدى الاختصاص الوطني – السيادي من امثلتها: ضرورة التكاثف “تعاونا وتنسيقا” منظما مع اجهزة ومؤسسات المجتمع الدولي لمكافحة ظواهر خطيرة جسدها في العراق الجفاف والتلوث البيئي (برا- بحرا وجوا) أو جرائم الفساد وتهريب البضائع والاثار التراثية الاصيلة والاموال والحجارالكريمة والمعادن الحيوية او جرائم العصابات المنظمة وكذلك مخاطر تحورات كورونا في وقت دقيق وحرج ينتظر من صانع القرار تقديم وتلبية افضل انواع الخدمات العامة لشعبه ولبلاده؟؟ ضمن سياق كهذا لابد من الاعتماد على نهج النظم الفاعلة ذات النشاط الداينمي - المهني ضمن تنظيم يمكن من التكييف النوعي والسريع مع مختلف المتغيرات التقنية والسايبرية الجديدة سريعة الايقاع.

لست بوارد ذكر امثلة عدة مفصلة عن ما يعانيه العراق من ظروف صعبة وحرجة من نتاج ازمات مركبة بعضها وطني – محلي وأخر اقليمي ودولي أو كوني الملامح، المضامين والتداعيات ولكني ساكتفي بالاشارة إلى أحداث تهز نظامنا الاقتصادي – المالي حاليا عل من ابرزها ما يحتاجه النظام المصرفي مثلا في العراق من مستلزمات اساسية لنجاحه وتحديثه او حتى لبقائه عنصرا حيويا لإدامة حياتنا المجتمعية – الاقتصادية على الصعد الوطنية والدولية ز الامر الذي يتطلب إتخاذ جملة إجراءات حازمة قيمية وقانونية لإعادة الهيكلة من جهة ولولوية الاسراع بإنجاز نظام قضائي مستقل يختص بمكافحة جرائم الفساد وغسيل الاموال او تهريبها خارج البلاد وبالتالي ضرورة استردادها ومحاسبة كل من تسبب بإهدار اموال البلاد والعباد محاسبة عسيرة. مسألة تقتضي إقامة نظام شبكة الاتصالات المصرفية من خلال عملية الرقمنة Digitization التي تجب ان تحدث زمنيا وتقنيا منعا لكل عمليات غسيل الاموال والفساد وتهريب العملة من قبل اي جهة مهما يكن مستوى اومكانة ارتباطها بمؤسسات الدولة “حيتان الفساد الكبيرة”.

ضمن ذات السياق يمكن للسلطات الحكومية المعنية من تطبيق إجراءات تقنية وعالية المهنية على الدوائر والمنافذ الحيوية لجمارك وضرائب العراق بل وعلى كافة مؤسسات الدولة الرسمية مستيعنة بدور حيوي للمواطنين المخلصين لبلادهم من جهة وبدور ضاغط امؤسسات الرقابة والنزاهة الحكومية المستقلة وكذا بدور مساند للمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية. إجراءات ولاشك أن تمت بحزم ودقة وفقا لرؤية إستراتيجية وأخلاقية سامية ستحد كثيرا من الفساد المستشري في مفاصل النظام السياسي للدولة العراقية. التساؤل الاساسي القائم اليوم برهن مستقبل مشرق ينتظره شعبنا على أحر من الجمر: كيف للنظام العراقي من خلال إتباع نهج المقارنة مع النظم الرصينة التي تعتمد على خبرات مهنية أنجحت تجارب متعددة في دول العالم المتقدم من أن يحمي اقتصاده الريعي حاليا خاصة العملة العراقية التي تمثل رمزا قيميا وماديا لسيادة البلاد من أن تعيد اعتبارها عالميا حتى وإن مرت بمراحل تدرجية زمنيا في مواجهة ارتفاع غير مسبوق لسعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي الامر الذي ينعكس سلبا على حياة المواطنين خاصة الطبقات الفقيرة والمهمشة او المحرومة من ابسط مقومات الحياة الكريمة والتي تتعرض للمخاطر اليومية؟ علما بإن نسب البطالة والفقر المدقع وانتشار الاوبئة والامراض وبرغم الجهود الحكومية المحدودة لتقليصها لازالت عالية جدا مقارنة حتى بدول الجوار او دول العالم النامي. علما بإن العراق يمر راهنا بتداعيات خطيرة يكفي أن نقول بإنها معقدة جدا تتشابك فيها النظم والعوامل والسياسات والمصالح الاقتصادية – المالية “النقدية”.

في نظر بعض من يتابع حيثيات وتداعيات المشهد العراقي يرى أنها لازالت وبرغم الاثار والنتائج السلبية يمكن أن تكون فرصة “ذهبية” للسيطرة على حركة الاموال التي تهرب الى عبر نوافذ ومنافذ العراق المتعددة إلى دول الجوارخاصة او ألى الملاذات الامنة إذ مع وجود المنصة الالكترونية الجديدة للفدرالي الامريكي التي تراقب عمليات أو حركة الاموال المهربة او المحولة عبر العراق مع عقوبات صارمة ضد كل من ينتهكها تمثل حلا مرحليا. ولكن في نظرنا أن الاساس المنطقي مرهون بإرادة عراقية يراد تفعيلها كي تكون مستقلة حقا هدفها في المرحلة الحالية والمستقبلية إتخاذ إجراءات فاعلة للحد من الفساد المالي – الاقتصادي بل وبكل إجراءات مكافحة انواع ومظاهر الفساد التي وصلت لحدود لايمكن تقبلها وطنيا، اقليميا أو دوليا. أخيرا، للموضوع أكثر من بعد لابد من التعمق في نقاشه علما بإن تحديات العراق اساسا نابعة عدد من الازمات التي عاشها ويعايشها من ضمنها كون البلاد ريعية الاقتصاد نظرا لإستمرار أعتمادها على عوائد النفط بنسبة تفوق 96 % دون العمل الجدي الحثيث ضمن إطر زمنية محددة للوصول إلى استقلالية حقيقية نسبيا في تلبية مصادر الطاقة سواءا الاحفورية او المتجددة بصورة تمكن العراق من الحصول على بنى تحتية أو حيوية للتنمية الانسانية المستدامة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram