ثائر صالح
تمر في التاسع والعشرين من كانون الثاني الجاري المئوية الثانية لولادة المؤلف الفرنسي إدوارد لالو (1823 - 1992). هذا المؤلف اشتهر بسبب عمل واحد فذ، هو السيمفونية الاسبانية التي قدمت في شباط سنة 1875 من قبل عازف الكمان الإسباني الشهير بابلو ساراساته. العمل في الحقيقة هو كونشرتو كمان أكثر من سيمفونية،
زخر بالموتيفات الاسبانية التي سحرت فرنسا منذ ستينات وسبعينات القرن التاسع عشر، وكان لعازف الكمان الفذ والمؤلف وقائد الأوركسترا بابلو ساراساته (1844 - 1908) دوراً بارزا في هذه الحمى التي اجتاحت فرنسا. ويكفي هنا أن نتذكر أوبرا كارمن لجورج بيزيه (1838 - 1875) التي قدمت في آذار 1875، قبل بضعة أشهر من وفاة بيزيه، أو مقدمة وروندو وكابريشيو للكمان والأوركسترا التي كتبتها سينسانص (1835 - 1921) وقدمها ساراساته سنة 1863. تعتبر السيمفونية الإسبانية من التراث الأساسي لعازفي الكمان المنفرد يبرزون فيها مهاراتهم التقنية والفنية، وتقدمها الفرق الموسيقي بانتظام.
تربطني بهذه التحفة الفنية علاقة وثيقة، فهي من التسجيلات التي كانت موجودة في بيتنا في بغداد، سمعتها وأنا طفل صغير، وكانت بين الأعمال المفضلة لدينا في البيت. فقد جلب عمي الذي كان يدرس في الولايات المتحدة مجموعة كبيرة من تسجيلات الموسيقى الكلاسيكية والأغاني الشائعة في الولايات المتحدة بعد الحرب الثانية عندما عاد الى العراق وتركها بعد سنتين ليعود إلى الولايات المتحدة مرة ثانية في بعثة لدراسة الدكتوراه سنة 1957. كان الكثير من التسجيلات من سرعة 33 دورة في الدقيقة، وهي التسجيلات الكلاسيكية، أما القسم الآخر فكان في سرعة 78 وهذه أغلبها أغاني شائعة وبعض التسجيلات الكلاسيكية القديمة التي تعود ربما إلى الثلاثينات. ولم يوجد في المجموعة أي من الاسطوانات الصغيرة ذات سرعة 45 لأنها طُّورت لاحقاً في الستينات لتلائم أغاني البوب التي ذاع صيتها مثل أغاني البيتلز الشهيرة. كانت تلك المجموعة نواة مكتبتي الموسيقية التي طورتها لاحقاً باقتناء ما أجده في قسم الموسيقى في اوروزدي باك بما أوفر من مبالغ، ومما يجود به الأصدقاء العائدين من رحلات الصيف الى اوروبا. وقد ضاعت هذه المجموعة الثمينة من التسجيلات بعد الهجرة من العراق ولا أعرف أين حل بها الدهر.
إلى جانب السيمفونية الاسبانية التي شهدت وتشهد شعبية كبيرة حتى في عصرنا الحالي، لا يؤدى اليوم سوى حفنة من أعمال هذا المؤلف، أهمها كونشرتو للتشيلو (1877) وكونشرتو أخرى للكمان (1873) وسيمفونية في صول الصغير (1886) وافتتاحية الأوبرا التي كتبها بعنوان ملك إيس. قدمت الأوبرا سنة 1878 ولاقت نجاحاً، قدمت بعدها في العديد من المسارح الأوروبية وفي الولايات المتحدة في حياة المؤلف وبعدها، لكنها لم تلق ذاك النجاح الذي يبقيها ضمن التراث الأوبرالي لدور الأوبرا، فهي لا تقدم اليوم إلا نادراً، بينما تقدم افتتاحيتها ضمن برامج بعض الفرق.