TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > التأسيس العقلي للأخلاق

التأسيس العقلي للأخلاق

نشر في: 15 يناير, 2023: 11:10 م

حازم رعد

يقول كانط:(شيئان يملآن العقل والوجدان مهابة وجلال، السماء المرصعة بالنجوم فوق رأسي، والقانون الأخلاقي في نفسي).

في بعض الأحيان نتعرف على جوهر الشيء من خلال تجربته في واقعه كما يحصل ذلك في حقل العلوم والنظريات التي تساق في هذا المجال التطبيقي، واخرى من خلال التأمل فيه عبر التقاطات الحدس ومقاربة افكار الاخرين او عبر مجموعة التبريرات التي تساق كذرائعية لمباشرته كنتيجة لقراءة الحدث او الشيء، ومرة اخرى نفهمه من خلال الدوافع والاسباب المباشرة الداعية اليه والقاضية بلزوم اتيانه،ومن هذا الاخير يمكن ان ندرك ونفهم قوام الفعل الاخلاقي عند كانط الفيلسوف الالماني الكبير الذي احدث ثورة في فضاء الفلسفة النقدية والتوفيق بين العقل والتجربة كمصادر للمعرفة.

يعتقد كانط ان لا علاقة للاخلاق بما تفعل من اشياء تعتقد انها مناسبة في واقعها او انها مطابقة لمسبقات دينية واجتماعية، فكل ذلك ليس عملاً يندرج في مجال الاخلاق بما هي دون قيد او شرط، كانط يركز النظر على العقل في التأسيس للفعل الاخلاقي فالصحيح حسبه ليس ما يفعل على اساس انه "تصرف ملائم" بل يجب تأسيسه على العقل فهو الذي يبرر لك ما عليك ان تفعل وما عليك ان تترك بغض النظر عن كل المسبقات التي تحملها وبعيداً عن شعورك اثناء الفعل.

ان التصرف الخير ومساعدة الاخرين على اساس ديني يعده كانط نفعياً "يجد ان النزعة الانتفاعية حاضرة فيه" لانه سيكون الفرد فيه من الاساس ناظراً للثواب الذي سيحصل عليه لقاء ذلك التصرف وبلاه قد لا يكون تصرف على ذلك النحو فلولا الوعد بدخول الجنة مقابل مساعدة الاخرين لما تحرك الافراد للتصرف الصواب والصحيح وهذا ما يعده كانط "تعامل نفعي" فهو فعل يتقصد من ورائه غاية شخصية او هو وسيلة لتحقيق هذا الهدف وهو الثواب بدخول الجنة مثلاً

كان كانط يشدد التركيز في النشاط الاخلاقي على العقل لما يفرضه العقل من فعل واجب هو الذي يعد اخلاقياً لانه لا يستهدف الا التصرف الواجب والتعامل الذي ينبغي او لا ينبغي، ولذا يصلح ان يكون قاعدة عامة يتصرف وفقها العقلاء كقواعد اخلاقية.

يقول عبد الرحمن بدوي [ ولهذا ينتهي "كنت" إلى القول بأن الإرادة الإنسانية الخيرة هي تلك التي تفعل وفقآ للواجب... فالقاعدة هي المبدأ الموضوعي صادقة بالنسبة إلى شخص آخر، ويمكن أن تكون خيراً أو شراً إن الإنسان يعرف ماذا يفعل،وليست أفعاله مجرد أنعكاسات أو أستجابات تلقائية لدوافع كما هي الحال في الحيوان.

يجب ان يبقى اعتقادك الديني وكذلك مشاعرك بعيدة عن الاخلاق فمشاعر الشفقة والتعاطف التي تؤسس لبعض الاعمال الجيدة ليست فعلا اخلاقياً وانما هي كيفيات نفسانية يتطبع بها الانسان وتشكل جزءاً من كيانه وشخصيته التي يطلع بها على الواقع وتكون اعماله تجاه نفسه والاخرين. وهذه الطباع يمكن ان تتغير تبعاً للمزاج العام والظروف والاحداث المحيطة بالفرد فيتغير طباعه نظراً للمؤثرات الحاصلة. ولذا هي ليست اشياء عامة تصلح لان تكون قوانين والاخلاق المراد تعميمها قانون يصلح للتعميم واستغراق الحدث والاشخاص في اطاره حال اطلاقه وصدق القول به.

كذلك الأخلاق الدينية ليست مبتناة على العقل وانما ما يدفع الانسان للعمل وفقها هو الواعز الديني والاجر والثواب الذي يترتب عليها. وهنا نجد ان بعض الناس عندهم الرغبة في فعل الخير بينما غيرهم لا يمتلكون ذلك.

ولذا يرى كانط ان فعل الامور الخيرة ممكنة لكل انسان عاقل عبر اتخاذ قرارات مناسبة في ظرفها.

فمثلا اذا ساعدت انسان لمجرد شعورك بانه من واجبك المساعدة فذلك فعل اخلاقي عكس ما لو ساعته لانه محتاج الى مساعدة او انك تعاطفت معه فذلك نابع من طباعك التي تتمتع بها وليست فعل اخلاقي عام.

يبحث كانط في الدوافع والاسباب التي تؤسس للفعل الاخلاقي ويحدد العقل هو الملاك العام الذي يجب ان يؤسس للفعل الاخلاقي وليس اي شيء اخر هو يريد قاعدة عامة ناظمة للفعل الاخلاقي لا تتغير او تتبدل ازاء كل تغيير وتبدل حاصل في المزاج او الواقع والضرفيات المؤثرة في الانسان والواقع فلذا هو يعد الفعل الاخلاقي مصدره الصحيح هو العقل وليس شيء اخر،

يبدوا ان كانط كان ينظر بالاساس الى النوايا التي يستبطنها الفعل الاخلاقي، ولا يعير ذلك الاهتمام لذات الفعل، رغم ان هذه الفكرة تطابق التصور الديني اذ النوايا ترتبط بالعمل العبادي بشكل وثيق فنية المؤمن خير من عمله ونية الكافر شر من عمله،

ولذا هو يجد الكذب فعل لا اخلاقي مطلقاً حتى لو كان يؤتى بدواعي اخلاقية او كان يحقق غرض خير وجيد كما يصنع البعض حينما يكذبون حتى لا تحصل مفسدة من نوع ما او يكذبون لاجل منع حصول جريمة…

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

"قوانين جديدة".. طالبان تعتبر وجه وصوت المرأة "عورة"

تشكيلة ريال مدريد المتوقعة لمباراة لاس بالماس اليوم في الليغا

اسقاط مسيرة تركية وسط كركوك

الضفة الغربية.. الاجتياح يتواصل لليوم الثاني وارتفاع حصيلة الشهداء

الصحة: لا توجد مبررات كافية لإدخال لقاح جدري القردة إلى البلاد

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram