TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > شعب الله المختار بين الأسطورة والدين

شعب الله المختار بين الأسطورة والدين

نشر في: 17 يناير, 2023: 11:26 م

سلام حربه

يبقى التاريخ السومري مرجعا لكل الأقوام والبلدان، ما تركته بلاد سومر من أساطير ومعارف وعلوم ما زالت البشرية تتغذى عليها حتى يومنا هذا، حتى ان كثيرا من أساطيرها نُزعت عنها الصفة الاسطورية وأصبحت تاريخا لاقوام وشعوب في ارجاء الارض بعد أن أعادوا صياغة هذه الاساطير لغويا بما يتناسب مع عقائدهم وثقافاتهم واعرافهم وتقاليدهم ولكنها بقيت محتفظة بمعانيها السومرية، ليست الشعوب فقط من سطت على هذه الاساطير والعلوم والمعارف بل حتى البعض من الاديان السماوية والارضية.

كان السومريون يطلقون على انفسهم لقب شعب الإله المختار، هذا اللقب لم يأت من فراغ بل لاحساسهم بالتميز والرقي والمكانة التي يحتلوها عند الآلهة..لقد خصهم الإله إنليل بالتبجيل لانهم خدام مخلصون للالهة ويقدمون القرابين لها، ليس هذا وحسب بل ان السومريين كانوا يرتبطون بعلاقة خاصة مع الآلهة السومرية التي تدعى الانانوكي وهي ما زالت حتى يومنا هذا سرا ولغزا عند الباحثين والمنقبين.

بعض علماء المثيولوجيا يعتقدون ان الانانوكي كائنات حضرت من كواكب اخرى وهي من علمت السومريين اصول الخلق وعلوم الفلك والتنجيم والابراج والكواكب المتحركة والزراعة وحماية انفسهم من الاعداء وطرائق العيش وتصنيع حاجياتهم وهناك رأي مغال بان الانوناكي هم من رسم الخارطة الجينية للسومريين ووضعوا فيها شفرات وراثية الهية.

لم تذكر الحضارات الاخرى البابلية والاكدية والاشورية الانوناكي حتى ان كاتبا امريكيا يدعى زكريا ستكن أصدر كتبا عديدة حول الآلهة الانانوكي السومرية وكيف انهم حضروا الى بلاد سومر من كواكب بعيدة ويقدم الشواهد الكثيرة والحجج العلمية حول هذه الفكرة بحيث حقق مبيعات كثيرة لكتبه ولكن هناك اراء اخرى لدى العلماء على ان آلهة الانانوكي السومرية هم ابناء وأتباع آن إله السماء ابن انليل كبير الالهة وهم من يشكلون سلالته الحاكمة، وقسم من فقهاء الاديان يؤكدون انهم ملائكة مرسلون، هؤلاء الانانوكي سواء كانوا من كواكب اخرى ام الهة سومريون أم ملائكة الا انهم كانوا في ارض سومر ومعابدها وهذا ما خلق التفرد عند السومريين وجعل لهم خصوصية عن الجنس البشري.

فكرة شعب الاله المختار السومرية تم تأويلها بعد ذلك على أنها الشعور القومي والعنصرية، وهذا ما تبنته لاحقا الاقوام الاخرى التي تأثرت بالثقافة السومرية وظهرت في الديانات وخاصة السماوية منها..لقد وظّف اليهود هذه الفكرة (شعب الاله المختار)، بعد أن إطلعوا على الاساطير والتعاليم السومرية والبابلية بعد جلبهم الى بابل زمن السبي البابلي، واصبحت صلب ديانتهم اليهودية، بحيث اصبحت مفردة اليهود تعبير عن وظيفتين قومية ودينية، هذا الشعور القومي العنصري الذي فهموه، حسب تأويلهم، من السومريين منع على الاقوام الاخرى الانتساب الى اليهودية دينا وقومية، واصبح اله الديانة اليهودية (يهوه) هو إله قومي خاص باليهود فقط وهو رب بني اسرائيل (في ذلك اليوم قطع الرب مع ابرام (ابراهيم) ميثاقا قائلا : لنسلك اعطي هذه الارض من نهر مصر الى النهر الكبير الفرات) سفر التكوين 15- 18، وعمل الاله يهوة عهدا مع اليهود (بني اسرائيل) في هذا العهد يظهر الإله البر والاحسان لهم لأنه حاميهم وعليهم ان يلتزموا بتعاليمه وقد ينفض العهد معهم إن أخلّوا ببنوده معه وعصوا أوامره وتعاليمه ليعاقبهم شر عقاب ويحل القحط في اراضيهم ويسومهم الهوان والعذاب، بامكان الإله يهوه ان يصفح عنهم اذا تم الصلح مع شعبه عن طريق نبي او كاهن.

الإله يهوه في (التوراة) هو الخالق الاوحد للبشر وعلى كل البشرية في النهاية من غير اليهود ان تترك آلهتها وتعبده، كما وعد اليهود ان الاقوام جميعا ستكون تحت خدمتهم وعبيدا لهم ومن يعترض من الاقوام فان (يهوه يمطر على الاشرار فخاخا نارا كبريتا وتصيبهم ريح السموم) سفر التكوين، وفي قصة برج بابل الرب يهوه يبلبل السن سبعين أمة ويقوم بالمحافظة على لغة بني اسرائيل فقط. هذا ما عمل به اليهود من يوم ظهورهم على الارض وحتى يومنا هذا وهم يذيقون الشعوب الويل والدمار من اجل ان تركع تحت اقدامها تحقيقا لمشيئة الاله يهوه. لقد عملوا على جعل الاساطير السومرية والبابلية قصصا تاريخية ترتبط بانبيائهم وملوكهم واعادوا صياغة هذه الاساطير لتصبح وكأنها جزء من التاريخ اليهودي وأساطير الإله يهوه وأنبيائه، كما استولوا على الأساطير والقصص الكنعانية والمصرية وخلقوا انبياءً وشخوصا ووقائع تاريخية وحياتية لم يسمع بها أحد من قبل لم تدونها الشعوب بل وجدت في كتبهم المقدسة التي اعتبرت مزورة من قبل الديانتين السماويتين الاسلام والمسيحية، وجعلوا من تاريخ النبي ابراهيم عليه السلام المولود في أور وابنائه اسماعيل واسحق ويعقوب (اسرائيل) والاخرين تاريخا خاصا بهم، وقد كرم الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بني اسرائيل (يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم، واني فضلتكم على العالمين) البقرة 47، الكثير من العلماء والفقهاء يقولون ان بني اسرائيل في هذه الاية الكريمة لا يقصد بهم اليهود الحاليين وانما احفاد النبي ابراهيم عليه السلام.

التعصب للشعب المختار لم يقتصر على الديانة اليهودية بل بشرت به باقي الاديان ومنها المسيحية، وينقل عن السيد المسيح ع الذي تماهى مع هذه الفكرة العرقية حين رفض مساعدة المرأة الكنعانية غير اليهودية ان يعالج ابنتها المجنونة، لم يستجب لطلبها فتقدم تلاميذه منه قائلين له (ساعدها يا معلم لانها تصيح وراءنا) فأجابهم (لم أرسل الا لخراف بيت اسرائيل الضالة) وحتى في الدين الاسلامي فان الله عز وجل كرم المسلمين في القرآن الكريم (كنتم خير أمة اخرجت الى الناس).

لم تقتصر الفكرة القومية العنصرية التي لصقت بالسومريون على الأديان فقط بل إمتدت الى الملوك والقادة وابتدأ تصنيف الشعوب، من قبل الشوفينيين، حسب إصالتها القومية كما فعل هتلر حين وضع الجرمان واليونان واللاتين في مقدمة شعوب وقوميات الارض وصنف اليهود والعرب والزنوج والقردة في أسفل القائمة، ما زالت فكرة الشعب المختار تفعل فعلها في كل بقاع الارض واخذ كل شعب يعمل تاريخا مجيدا له ويبتكر الملاحم والبطولات الزائفة لملوكه وقادته وابنائه وينسب تواريخ أقوام اخرى ضعفت او انقرضت الى سجله التطوري كي يتقدم الشعوب ويشعر بالزهو والفخر وتصبح كلمته هي العليا لأنه سليل المجد وصانع التاريخ ليس لقومه فقط بل للبشرية جمعاء وهذا ما نلمسه عبر التاريخ من نظرات بعض الاجناس بالدونية الى الاجناس الاخرى واستعمارها والابيض اعلى مرتبة من الاسود والغني أكثر اصالة ورقي من الفقير..

من حق السومريين ان يفخروا بإصولهم وهم الذين قالوا في أحد اساطيرهم (حين كان العالم بحرا كانت أريدو) فهم الذين اخرجوا البشرية من الظلمات الى النور وابتدأ التاريخ من زمنهم أما أن تاتي أقوام وأديان لتسرق حضارتهم ويأخذوا البشرية نحو التعصب والدمار والفناء فهذا لم يخطر في عقولهم. لقد قالها الكاتب مارك توين (من السهولة ان تجعل الناس يصدقون اكذوبة ومن الصعوبة ازالت تاثيرها عليهم)..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

"قوانين جديدة".. طالبان تعتبر وجه وصوت المرأة "عورة"

تشكيلة ريال مدريد المتوقعة لمباراة لاس بالماس اليوم في الليغا

اسقاط مسيرة تركية وسط كركوك

الضفة الغربية.. الاجتياح يتواصل لليوم الثاني وارتفاع حصيلة الشهداء

الصحة: لا توجد مبررات كافية لإدخال لقاح جدري القردة إلى البلاد

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram