اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > الأســــــدي

الأســــــدي

نشر في: 28 يناير, 2023: 09:58 م

عبد الخالق كيطان

حين نزلنا من جسر الجمهورية لنصل الى مبتغانا في ساحة التحرير وقف خليل الأسدي ليشعل سيجارته بينما أدرت رأسي نحو منقلة في فرع جانبي تنبثق منها روائح شواء،

تبين لي لاحقا أنها مجرد شحوم محترقة لجذب الزبائن النادرين وسط جوع شامل في بغداد 1994. قال لي الأسدي بعد أن أشعل سيجارته ورآني متسمرا أمام المشهد الذي أعجز عن النفاذ إليه: عبئ ما استطعت من دخان المشويات فهو غداؤك اليوم.

كان خليل الأسدي مفلسا على الدوام. واعتياده ذلك جعله لا يتوقف كثيرا أمام روائح المشويات التي كانت تطربني. يكفيه علبة سجائر وكأس في آخر الليل. في السنوات التي تعرفت فيها إليه كان الأسدي قد وصل إلى الزهد التام. لم تعد الدنيا تغريه. عجبت يوما لأنه بدأ يستلطف فتاة متدربة في الجريدة التي كنا نعمل فيها بصفة مصححين لغويين. دفع لها قصيدة ساخنة كان كتبها للتو. ابتسمت المتدربة ومضت في طريقها. أدرك الشاعر الذي فيه إنه لا يستطيع أن يقدم لها سوى القصيدة… والصمت. وهو ما كان.

وبالرغم من أن تجربته الشعرية محسوبة على جيل السبعينيات إلا أن قصيدته، التي يكتبها وكنت أقرأها في التسعينيات، هي أقرب ما تكون للقصيدة التي كان يكتبها أبناء جيلي، وأنا منهم طبعا. هل السبب في ذلك حساسية شعرية تنتبه للجديد أو أن الوضع العام في العراق، ذلك الوضع المأساوي في التسعينيات، هو الذي قاده لما قادنا، واقصد تحديدا القصيدة اليومية؟

ربما استمر عملنا معا في جريدة القادسية، وفي قسم التصحيح اللغوي تحديدا، لمدة عام كامل. وفي هذا العام تعرفت إلى مواهب خليل الأسدي اللغوية والمعرفية، ناهيك عن الشعرية. شاعر مخلص لقصيدته، لم يلوثها بأي طريقة كانت. ولقد كان التلوث في تلك الأيام سمة، فيما الراسخون في المعصية قلة منبوذة. كل واحد من هؤلاء يختفي خلف درع من الخوف الصقيل.

قرأت نصوص خليل الأسدي باهتمام بالرغم من أنني كنت أرفع راية القطيعة، وبالمناسبة: من يتذكر اليوم مثل تلك المصطلحات؟ لقد كنا نتوقف كثيرا أمام تجارب القلة من شعراء السبعينيات ولم يكن الأسدي من هؤلاء القلة. لماذا؟ هل نلقي باللوم على النقد؟ الإعلام؟ السياسة؟ أو أن الأجيال اللاحقة، ممثلة بي هنا، كانت عمياء إلى هذه الدرجة؟

ومع اكتشاف قصيدة الأسدي الزاهدة، وزهد شاعرها بالطبع، كنت أتمرن على الإصغاء، وخاصة في حضرة الشعر الذي يأسرني.. وشيئا فشيئا بدأت ابتعد كثير عن شعر البدايات الذي انغمست فيه سابقا. ومن المؤكد أن المؤثرات التي مرت علي، إنسانيا وشعريا قد لعبت لعبها بي.

المؤسف أن أمثال خليل الأسدي يمرون في حياتنا بصمت باذخ ويغادرون بالصمت ذاته. لا أريد هنا سوى التلويح لذكراه.. ذلك النحيل الذي رثاني أمام دخان المشويات فعرفت حينها كم صعبا أن تعيش في الحرمان الدائم دون أن ترمش عينك.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

رمل على الطريق

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

موسيقى الاحد: جولة موسيقية في فيينا

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram