عبد المنعم الأعسم
الولاء للزعامات السياسية لا غبار عليه، فالكثير من الناس يضعون ثقتهم في شخص (امرأة أو رجل) يجدون فيه مصدرا للحكمة ورجاحة العقل والمواقف، او تعبيرا عن مصالحهم واشواقهم وضمانة لمستقبلهم،
او حتى، احيانا، من دون مصالح تقف وراء الولاء، وربما من دون معرفة او علاقة أو رابطة بين الموالي والزعيم، وقد يفرض الولاء على صاحبه ان يضحي بحياته من أجل الوليّ وفي سبيل القضية التي يتبناها عن طيب خاطر، وصفحات التاريخ مليئة باسماء الشهداء الذين سقطوا وراء زعماء شجعان استحق اي منهم وعن جدارة موصوف الملهم.
لكن المشكلة هنا، وفي ايامنا، من جنس آخر يتعلق بتقلب الولاءات الكيفية تبعا للمنفعة الضيّقة، وليس متابعة للمواقف المبدئية التي قد تزكي تغيير القناعات.
في التاريخ القديم (لنبتعد عما يجري الآن) ثمة الكثير من الوقائع عن تقلب الولاءات بحسب الظروف وعلى ايقاع انقلاب الاحوال، وبخاصة، في بيئات وحقب شهدت اضطرابات وحروبا، فلنقرأ بعض ما كان يحدث آنذاك:
فقد اورد ابو العباس المبرد في كتاب "الكامل في الادب واللغة" حكاية عن مأزق الولاء في خلال حروب الدولة الاموية مع المنشقين عليها، تفيد ان المهلب بن ابي صفرة كان يقود جيش مصعب بن الزبير ضد الخوارج، فحدث مقتل مصعب لصالح عبدالملك بن مروان، لكن الخوارج علموا بالوفاة قبل اصحاب المهلب، فالتقى الطرفان على مشارف ساحة الوغى، فنادى الخوارج خصومهم: ما تقولون في اميركم الزبير؟ فردوا بالقول انه "إمام هدى" وسألوهم: وما تقولون بعبد الملك (عدوّه)؟ فردوا قائلين انه "ضال مضلل". ثم مرّ يومان، وبلغ مقتل مصعب اصحاب المهلب واستتباب الامر الى عبد الملك، فناداهم الخوارج مرة اخرى: ما تقولون في مصعب؟ "فامسكوا عن الجواب" فكرروا: فما تقولون عن عبد الملك؟ فردوا انه "إمام هدى" فردّ عليهم المنادون: "يا عبيد الدنيا، بالامس (قلتم انه) ضال ومضلل، واليوم (تقولون) إمام هدى؟".
اما الشاعر الشامي الاصل ابو عمرو كلثوم العتابي فقد كان حائرا في تقرير ولائه بين حكام وولاة لا يعرفون العدالة، ولا يزاولون الحق، وكان في ضيق وفي حاجة، ونقل العلوي في مستطرفه الجديد انه قيل للعتابي يوما: لمَ لا تقصد السلطان فتخدمه، فقال "لأني اراه يعطي واحدا لغير حسنة، ولا يد، ويقتل الآخر بلا سيئة ولا ذنب، ولست أدري اي الرجلين انا؟".
اما ابن طباطبا، محمد بن ابراهيم، فقد مل الولاء الى المأمون، وفيما كان يقلب الامر شاهد وهو يسير في احد طرق الكوفة عجوزا تتبع احمال رطب فتلتقط ما يسقط منها فتجمعه في كساء رث، فسألها عما تصنع بهذا الرطب المتسخ في الرداء البالي، فقالت: اني امرأة ارملة ولي بنات صغيرات، فانا اتتبع هذا (الرطب) من الطريق واتقوته انا وعيالي، فبكى ابن طباطبا بكاء شديدا، وقال "انتِ والله واشباهك تخرجوني غدا (على الوالي) حتى يسفك دمي".
استدراك:
" من الأفضل أن تكون مكروهاً لما فيك، على أن تكون محبوباً لما ليس فيك".
اندريه جيد